شريف عبدالغني

صورتان بثتهما مؤخرا laquo;رويترزraquo; و laquo;أ.ف.بraquo; لخصتا شؤون وشجون المشهد السوري والعربي بشكل عام. في الأولى يتجمع أعضاء مجلس الشعب السوري في دائرة، الفرحة والابتسامات مرسومة على الملامح، والأكف مرفوعة بالتصفيق، والكل يولـّي وجهه شطر شخص واحد.. الرئيس بشار الأسد، الذي كان يستعد لإلقاء خطاب إلى الأمة بعد اندلاع الثورة أو laquo;المؤامرةraquo; -حسب تعبيره- في بلاده. أما الصورة الثانية فأكملت الأولى وأوضحت جليا ثقافة laquo;تأليهraquo; الحكام العرب.. يسجد عمال سوريون على الأرض لتقبيل صورة بشار، وعلى ظهورهم أيادٍ تثبتهم على وضعهم. ليس معروفا إذا كانت تلك أيادي جنود تدفعهم إلى هذا الفعل المهين أو زملاء لهم يستعجلونهم ليأخذوا دورهم في السجود!
السوريون لهم مكانة خاصة في قلوبنا نحن المصريين، حملوا سيارة عبدالناصر في دمشق من شدة حبهم للزعيم، ربطتنا laquo;وحدةraquo; يوما ما، زيجات متبادلة استمرت رغم laquo;الانفصالraquo; السياسي، ولذلك ما يحدث هناك ينعكس صداه فوراً في القاهرة. تغاضينا حينما تم تعديل الدستور السوري في 3 دقائق وإنزال التخفيض على سن الرئيس من 40 عاما إلى 34 ليكون على مقاس laquo;الأسد الصغيرraquo; لوراثة laquo;الأسد الكبيرraquo;. قلنا لا بأس مادامت المسافة بيننا وبين الديمقراطية لا تسمح بغير هذا laquo;التفصيلraquo; حتى نرى رئيسا عربيا شابا، وعلقنا الآمال على رقبة laquo;الدكتور بشارraquo; حتى يغير تصلب الشرايين العربي، ويصدّر بشارة الحرية والديمقراطية والدماء الجديدة من laquo;الإقليم الشماليraquo; للجمهورية العربية المتحدة التي كانت، إلى جسد المنطقة الشائخ، وفي قلبه مصر.. laquo;الإقليم الجنوبيraquo;!
مرت سنة وراء أخرى ولا جديد على نهر laquo;بردىraquo; أيقونة دمشق الفيحاء، بل اضمحل النهر وشحت مياهه وامتلأ بالقمامة والطحالب. بالتبعية خشينا أن تصل هذه العدوى إلى النيل فيزداد تلوثا أكثر مما هو عليه في عصر مبارك. مع صعود نجم جمال مبارك وحكاية laquo;التوريثraquo; في مصر راح الجميع ينظر إلى laquo;سابقتها السوريةraquo;. فالنظام الأمني القمعي انتقل من الأب إلى الابن، وقانون الطوارئ اعتبره laquo;بشارraquo; هدية قيـّمة وذكرى تركها الوالد عيب أن يفرط فيها، والحزب الواحد ظل مسيطرا على البلاد والعباد. الجديد أن حكم العائلة تحول إلى حكم laquo;نصف العائلةraquo; بعد انشقاق فرع العم رفعت الأسد وأولاده. الصورة السورية ظهرت واضحة في عيون المصريين، فوضعنا أيادينا على قلوبنا خشية أن يكررها laquo;جمالraquo; عندنا رغم أحاديث الدم الجديد و laquo;النيولوكraquo; الجديد والفكر الجديد الذي سيضفيه laquo;مبارك الصغيرraquo; على مصر. لم تفلح جهود laquo;الأبraquo; في إزالة المخاوف حينما أكد أن مصر ليست سوريا، وأن ما حدث هناك لن يتكرر هنا. لكن laquo;السيدة الأولىraquo; استمرت في مخططها لـ laquo;التوريثraquo; حتى تكون -بحسب تعبير مصطفى الفقي أحد منظري حزب زوجها والمرشح لأمانة الجامعة العربية- laquo;زوجة العمدةraquo; ثم laquo;أم العمدةraquo; كما يحدث في القرى المصرية. ومن مفارقات القدر أن جاء الدور على laquo;بشارraquo; ليكرر عكسياً مقولة مبارك بعد اندلاع ثورة laquo;التحريرraquo; بالقاهرة: laquo;سوريا ليست تونس ومصرraquo;، مؤكدا أن ما حدث في البلدين لن ينتقل إلى دمشق باعتبارها حائط الصد العربي أمام إسرائيل ولا تقيم علاقات معها. ولم يكد ينتهي من كلمته حتى بدأت ثورة laquo;درعاraquo;.
من عجائب دمشق أن النظام هناك احتفى بالثورات العربية الحالية، وأكد أنها تعبر عن حاجة الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والإصلاح الحقيقي، ووصف من قام بها بـ laquo;الثوار الشجعانraquo;. لكن عندما وصلت الشرارة إلى الحواضر السورية، تحولت الثورات -بحسب بشار ورجاله- إلى laquo;صرعاتraquo;، وأصبح الثوار laquo;عناصر مخربةraquo;، والحاجة إلى الحرية صارت laquo;مؤامرةraquo;. وانتقلت الازدواجية نفسها إلى إعلام الفريق الموالي لدمشق في لبنان، فبعد الإشادة والمساندة للثورة والثوار في تونس مصر وليبيا والبحرين واليمن، بدأ الحديث عن laquo;القلة المندسةraquo; التي تحاول زعزعة استقرار laquo;الشقيقة الكبرىraquo;. واكتملت هزليات المشهد بخروج وزير الخارجية وليد المعلم يتحدث عن برنامج إصلاحات سياسية واقتصادية، ولم يكد حلق الوزير يجف بعد كلامه حتى اتصل أحد قادة الأمن بـ laquo;سميرة المسالمةraquo; رئيسة تحرير صحيفة laquo;تشرينraquo; الحكومية يبلغها بإقالتها، بعدما تحدثت لـ laquo;الجزيرةraquo; عن أحداث درعا وطالبت بمحاسبة من أطلق النار على المتظاهرين laquo;لأن هذه أرواح شعب لا يمكن التسامح فيهاraquo;.
وكالعادة فقد سار السادة أركان حرب النظام السوري على درب زملائهم الأشاوس الذين سبقوهم وأعلنوا الثورة على المتظاهرين السلميين في شوارع تونس وميدان التحرير بالقاهرة وساحة التغيير في صنعاء وكل ليبيا laquo;زنجة زنجةraquo;، لكنهم أقسموا بأغلظ الأيمانات أنهم بريئون من إراقة دماء الشعب، وألقى السادة في سوريا فأس المسؤولية عن قتل المتظاهرين الأبرياء في رقبة laquo;العناصر المخربةraquo;، مؤكدين أن laquo;العصابات المسلحةraquo; أسقطت laquo;19 شهيدا من قوات الأمن والشرطةraquo;. ويبدو أن هذه العصابات من القوة بحيث لم يستطع قادة الأمن البواسل أن يمنعوها من إطلاق النار على مشيعي ضحايا laquo;درعاraquo;، في الوقت الذي لم يطلقوا فيه رصاصة واحدة على قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تطلع لهم لسانها كل يوم من أعلى هضبة الجولان، حتى أصبحت الجبهة السورية هي الأكثر أمانا لإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973، ليذهب قادة تل أبيب إلى حائط المبكى كل صباح يدعون الرب ألا يصيب نظام بشار أي مكروه أو دور laquo;بردraquo;!
عموماً نحن أهل مصر نشكر laquo;الأسد الابنraquo; كونه سببا رئيسيا في إنقاذنا من laquo;مبارك الابنraquo; ومعه laquo;مبارك الأبraquo;. وأثبت هؤلاء الثلاثة جميعا ومعهم زملاء الكفاح والتوريث في ليبيا واليمن أنهم جميعا من طينة واحدة، فلا خاضوا حروبا ولا حققوا تنمية اتساقا مع مبدئهم laquo;خايب الصيف خايب الشتا.. خايب الحرب خايب السلامraquo;.
لقد فوّت بشار فرصة تاريخية علقناها عليه، ولم يقم بأي خطوة في طريق الإصلاح باستثناء ما هو معتاد من الأنظمة الشبيهة.. مجرد وعود وعهود، لكنها بحسب عمنا بيرم التونسي وست الكل أم كلثوم laquo;وعود لا تصدق ولا تنصان.. عهود مع اللي مالوش أمان.. وصبر على ذله وحرمانraquo;!