عمّار علي حسن
لا يأتي انشغال دول مجلس التعاون الخليجي بالصراع ضد إسرائيل من فراغ، ولا يمكن رده فقط إلى الالتزامات الإقليمية والواجبات القومية والفرائض الدينية، بل يمكن إحالته أيضاً إلى ما يتطلبه الأمن القومي لهذه الدول، التي إن كانت لا تربطها حدود جغرافية مباشرة مع الدولة العبرية، فإنها ليست بعيدة بأي حال من الأحوال عن الصراع من زوايا عديدة متبادلة، بعضها يخص إدراك الخليجيين لوظيفة ودور إسرائيل في المنطقة، وثانيها يتعلق بإدراك الإسرائيليين أنفسهم لحجم إسهام دول الخليج في هذا الصراع، أو النتائج التي يمكن أن تترتب على تصاعد وضعها ووزنها الإقليمي على تل أبيب.
إذا تم الأخذ في الاعتبار المفهوم المتسع للأمن القومي، نجد أن هناك جوانب عدة لارتباط أمن الخليج بالصراع العربي- الإسرائيلي أولها يُعزى إلى الطريقة العدوانية التي تتعامل بها إسرائيل مع محيطها الإقليمي، والتي لا تستثني أحداً، وهي إن كانت طريقة مباشرة ودائمة ومكثفة ضد الفلسطينيين، وموسمية ضد اللبنانيين، فإن إسرائيل لا تتورع عن أن تمتد إلى ما هو أبعد من فلسطين ولبنان، إذا اقتضت الضرورة ذلك، وتاريخ الحروب العربية - الإسرائيلية خير شاهد على ذلك. وليس بالضرورة أن يكون عدواناً مادياً سافراً، بل بوسعه أن يمتد إلى أشكال من العنف الرمزي والمعنوي الذي تمارسه إسرائيل ضد العرب، مثل تشويه الصورة الذهنية عن العرب، والتي تنصب أساساً على الشخصية الخليجية التي تحاط بكثير من التزييف وتعرض بما هو مشين وسلبي في وسائل الإعلام الغربية بإيعاز من الصهيونية. وهذا الترتيب المغرض يقود في النهاية، لاسيما إذا تكرست ورسخت معالمه وملامحه، إلى الخصم من القوة الناعمة لدول الخليج.
وتقوم استراتيجية إسرائيل الثابتة في هذا المضمار على منع حصول أية دولة عربية على ركائز متكاملة للقوة، وهذا الأمر ينطبق على الجميع، وليس على دول الطوق فقط، فإسرائيل بنت تصورها على التفوق العسكري على الجميع، فلما وجدت أن للقوة المسلحة حدوداً، راحت تطرح مشروعات يراد منها أن تقود إسرائيل المنطقة برمتها اقتصادياً. لذا فإن تل أبيب ستحاول محاربة أية دول خليجية تسعى إلى بناء قدرات اقتصادية فوق العادة أو حيازة إمكانات عسكرية كبيرة، كما تعارض دوماً حصول دول الخليج على أسلحة متقدمة إلا بشروط قاسية في مطلعها عدم استخدامها في الهجوم على إسرائيل أو إعارتها أو إهداؤها لأية دولة عربية تدخل في حرب ضدها.
والجانب الثاني يتعلق بحضور الصراع مع إسرائيل بشدة في منتصف المسافة الواصلة بين دول الخليج وأميركا، بما يجعله مؤثراً في علاقة الطرفين، الآنية والآتية، ويجعل واشنطن تتصرف دوماً على أساس هذه المعادلة، بحيث لا ينفصل لديها على مستوى التكتيكات والاستراتيجيات أمن إسرائيل عن تحديد علاقاتها بدول مجلس التعاون، كما لا يمكن لصناع القرار في دول مجلس التعاون أن يتصرفوا بمعزل عن إدراك هذه المعادلة وهم يبنون سياساتهم مع الولايات المتحدة. ويمكن أن نضرب مثلاً واضحاً على ذلك بما جرى للعراق، فقد كان أحد الأهداف الرئيسية للغزو الأميركي لأرض الرافدين هو حماية أمن إسرائيل، وأدى الاحتلال إلى تأثير سلبي فادح في أمن دول الخليج العربية من زاوية نفوذ إيران في العراق، وإعطاء دفعة قوية للنعرات المذهبية التي تسعى دول التعاون قاطبة إلى تجنبها، لأنها ستلقي بظلال كثيفة وكئيبة على تماسكها ووحدتها.
أما الجانب الثالث، فيتعلق بتواجد الجاليات الفلسطينية على أرض دول مجلس التعاون، وهي وإن كانت تساهم كغيرها من الجاليات العربية في مشروعات التنمية الخليجية، فإنها تختلف عن الجميع في أمرين: الخوف من أن تعتبر إسرائيل دول التعاون وطناً بديلاً، خاصة بالنسبة للفلسطينيين الذين خرجوا من فلسطين بعد النكبة عام 1948، ولا تسمح إسرائيل بعودتهم إلى أراضيهم أو من انحدروا من أصلابهم وساحوا في البلاد ومنها أرض الخليج. والثاني هو تزايد حاجة أفراد هذه الجاليات إلى البقاء في دول مجلس التعاون، لأن في أعناقهم أهلاً مشردين ولاجئين يعيشون ظروفاً صعبة وقاسية في مخيمات تفتقد الحياة الآدمية، وتتوزع كزوائد دودية في الضفة الغربية والأردن ولبنان وغيرها.
والجانب الرابع يتعلق بالعداء المتصاعد بين إيران وإسرائيل، والذي يؤثر في كل الأحوال في أمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لاسيما أن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة المصالح الكبرى في الخليج سواء ارتبطت بالنفط أو القواعد العسكرية تشاطر إسرائيل عداءها لإيران، وتخطط معها لمواجهة طهران. وهنا تقلق دول الخليج من أمرين: الأول هو قيام إسرائيل بتوجيه ضربة سريعة إجهاضية للبرنامج النووي الإيراني، بما قد يؤدي إلى انتشار الغبار الذري في أجواء المنطقة ووصوله إلى الساحل الغربي للخليج. أو إذا كانت حكومات هذه الدول ترفض هذا الأمر حتى الآن، بل ترفض حل الخلاف النووي عسكرياً.
لكل هذا فإن الأمن القومي الخليجي، لا يمكن أن ينفصل بأي حال من الأحوال عن الصراع العربي - الإسرائيلي، وتدرك شعوب وحكومات دول الخليج هذا الأمر، لذا تتماهى مع التوجه الذي ينظر إلى فلسطين باعتبارها قضية العرب المركزية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائي وباحث في علم الاجتماع السياسي - مصر
التعليقات