يوسف الكويليت

دول مجلس التعاون الخليجي اجتهدت، حشدت الاختصاصيين السياسيين، والقانونيين ورهنت تجاربها في حل قضية الخلاف بين المعارضة اليمنية والرئيس علي عبدالله صالح، والقضية واضحة أمام الخليجيين، وغامضة بين الفريقين المتنازعين، والتعقيدات ستبقى طالما كل منهما يطرح شروطاً تعجيزية..

حسم المشكلة يحتاج إلى تنازلاتٍ واعتراف بخطورة امتداد النزاع إلى حدوده القصوى، ومع أن كل طرف يضغط من خلال مؤيديه، إلا أن الرحلة ليست سهلة في بلد تنفد موارده، وتتضاعف مشكلة سد الاحتياجات الضرورية، إلى جانب المراوحة الطويلة. واعتقاد الطرفين أن الرهان على الزمن سوف يأتي لصالح أحدهما، هو خطأ في المضمون والتوقيت..

فإذا كان الرئيس يطرح الحل ثم يناور عليه، وكذلك المعارضة، فإن أقصى ما ستصل إليه دول المجلس استعمال النفس الطويل في تقريب وجهات النظر، وفي حال وصلت جهودها إلى الباب المسدود فإنها ستضطر للانسحاب وهو الأمر الصعب، لأن أمن هذه الدول مرتبط بأوضاع اليمن، وبالتالي فدخولها بالوساطة ليس لغايات ترجيح الرئيس، أو الانحياز للمعارضة، بل الهدف هو أن تنجح دبلوماسية عربية في محاصرة الخلافات بحدودها الدنيا، والتقليل من الأضرار المحتملة وفقاً للقراءات الدقيقة لأوضاع اليمن المليئة بالشحن والتناقضات..

السائد في القضايا العربية هو المطالبة بدور فاعل في الخلافات والأضرار التي تلحقها من عدة أسباب، لكن لا تجد الدول ذات المساعي الإيجابية القبول، وفي أحوال كثيرة تضطر إلى تجنب المشكلات المتكررة، والوقائع أثبتت فشل مثل هذه المساعي في لبنان وفلسطين، ونزاع الصحراء والصومال وغيرها، واليمن قد لا يكون الاستثناء ما لم يأت الاتفاق متوازناً وغير ضاغط بالملاحقة وغيرها على الرئيس أو من ساعدوه في تولي الحكم..

الدبلوماسية الأجنبية التي تتداخل مع الأوضاع العربية تأتي بالحلول الضاغطة كاستعمال نفوذها السياسي والاقتصادي، وهو سر نجاحها، لكن الدول العربية مع بعضها ليس لديها نفس النفوذ، فهي تتعامل بلغة الأخوة والمصلحة القومية، وهي التي سجلت فشلها بعدم التعاطي مع جهودها بذات الروح والأهداف..

اليمن بحاجة للاستقرار لأن مشروع إعادة بنائه قضية طويلة، فلديه نقصٌ في مداخيله، وبطالة واحتياجات سكنية ووظيفية، وتشييد للبنية الأساسية التي لاتزال في حالة تدنٍ، وكل الأسباب المطروحة تدركها دول مجلس التعاون، وتريد أن تساهم في حلول ترفع من مستوى التنمية في اليمن، غير أن الاستمرار في النزاعات قد يعطل مشروعاً كهذا، لأن الأمن أساس في أي عملية اقتصادية بعيدة المدى..

نعود ونقول إن الدبلوماسية الخليجية أخوية، بالدرجة الأولى، والمضمون الذي تطرحه لا توجد فيه غايات أو ضغوط ومساومات، إذ الاعتبار الأول هو إنقاذ اليمن من أي تداعيات سلبية تفرض دخول قوى إقليمية وخارجية ليتحمل أكلافاً أكبر من أوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية..