أسامة الشريف

هكذا أنهت الولايات المتحدة اكبر عملية مطاردة لرجل في التاريخ، بقتلها اسامة بن لادن برصاصة في الرأس ومن ثم دفن جثته في البحر. وهكذا طوت واشنطن صفحة بن لادن بعد نحو عشر سنوات على هجمات نيويورك وواشنطن والتي لن ينسى العالم صورها المروعة. الاعلام الامريكي اعتبر ان الرئيس اوباما اثبت قدرة قيادية نالت ثناء مؤيديه وخصومه السياسيين. ويبدو ان قتل بن لادن فتح الطريق للرئيس اوباما للعودة الى البيت الابيض لفترة رئاسية ثانية.
اختارت الادارة الامريكية اغتيال بن لادن في هذا الوقت، وكان باستطاعتها القبض عليه حيا ومحاكمته وانتزاع معلومات استخباراتية ثمينة منه عن تنظيم القاعدة الذي تزعمه. اما لماذا فضلت واشنطن قتل الرجل فانه سيظل سؤالا محيرا يعطي اصحاب نظريات المؤامرة مؤونة سنوات للتشكيك بالرواية الرسمية وبحقيقة بن لادن وبدوره في تنفيذ هجمات سبتمبر 2001.
وبعد ساعات من اعلان اوباما عن قتل بن لادن في هجوم مخطط على منزل كان يقطنه في مدينة ابوت آباء الباكستانية تراجع مسؤولون امريكيون عن روايتهم الاولى بان بن لادن كان مسلحا وانه اطلق وابلا من الرصاص على مهاجميه قبل ان يقتل. الرواية الاحدث تقول بان زعيم القاعدة لم يكن مسلحا وانه تم القبض عليه حيا، ما دفع بعض المحللين الى الاعلان بانه قد اعدم بدم بارد.
كما تثار اسئلة حول دور باكستان ومخابراتها بعد ان تكشف بان بن لادن لم يكن مختبئا في كهف في الجبال الحدودية الوعرة وانما كان يقطن فيلا محصنة في ابو آباد منذ ست سنوات ليس بعيدا عن الكلية العسكرية هناك. هل كانت المخابرات الباكستانية على علم بوجوده؟ وهل وفرت له ملاذا؟ وكيف نفسر تصريح وزير خارجية باكستان الاخير بان بلاده ابلغت واشنطن بمكان المنزل المشبوه في عام 2009!
لا نعرف الكثير عن اسامة بن لادن رغم غزارة ما كتب عنه منذ ان اضحى المطلوب رقم واحد عالميا واحد اهم رموز الفكر الجهادي. ومن الواضح ان اطنانا من المعلومات السرية ستبقى حبيسة ادراج وكالة الاستخبارات الامريكية وغيرها من مؤسسات الامن القومي في واشنطن لسنوات قادمة.
اما في العالمين العربي والاسلامي فسيبقى الرجل محط خلاف بين الناس: هل كان عدوا لامريكا، ام عميلا لها، ام انه كان اداة بيد الاستخبارات الاجنبية استخدمته لتحقيق اهدافها في نشر الاسلاموفوبيا وتمكين المحافطين الجدد من ممارسة عقيدتهم على ارض الواقع؟
مات بن لادن لكن الاسئلة حول دوره في تغيير العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لن تنته. انتصرت امريكا على رجل شنت من اجله حربين في افغانستان والعراق وقتلت مئات الآلاف من المسلمين باسم مكافحة الارهاب. مات بن لادن في زمن الثورات العربية التي رفعت كل الشعارات الا شعاراته! مات لكنه شهد سقوط انظمة عربية تحت دعوات الحرية والديمقراطية والعدالة والاصلاح بعيدا عن التطرف وخوض الحروب الدينية.
لم يصدع التاريخ لدعوات بن لادن، لكنه لم ينفها ايضا. ارثه يكمن في استمرار فكر القاعدة المنغلق والدموي عند البعض تحت مسمى الجهاد ومسميات اخرى. والسؤال الذي فرض نفسه في واشنطن بعد الاعلان عن قتل بن لادن هو: هل انتهت الحرب على الارهاب؟ الامريكيون يريدون الخلاص من كابوس الارهاب وحروبه التي تأبى ان تحسم لصالحهم. موت بن لادن، الذي قضى معظم ايامه بعد غزو افغانستان طريدا ومنقطعا عن احداث العالم، هزيمة رمزية للقاعدة لكنه لا يعني ان وجودها قد انتهى.
يحتاج الغرب الى اجراء مراجعة دقيقة لحقبة ما بعد سبتمبر 2001 وما افرزته من فكر متطرف وحروب دامية وسياسات ظالمة. استطاعت القاعدة تجنيد مقاتلين مستفيدة من فضائح ابو غريب ومعتقل غوانتنامو وتعذيب المعتقلين لانتزاع اعترافاتهم وقتل عشرات المدنيين عن طريق الخطأ! وفي المقابل فقد نفذت القاعدة عمليات ارهابية بشعة قتلت وجرحت وشوهت من المسلمين اكثر من غيرهم في العراق وافغانستان والاردن وبلاد المغرب العربي. ونحن اليوم نواجه الفكر التكفيري وندفع ثمن احتلال الغرب لافغانستان والعراق وانحيازه البشع الى اسرائيل. التطرف بكافة اشكاله خطر يحدق بنا ولم يكن بن لادن الا احد تجلياته