عادل الطريفي


في يوم من الأيام، قال الرئيس نجاد: laquo;هناك ألف سبب للإعجاب برحيم مشائي.. هو نبع ماء صاف.. عندما تجلس للحديث إليه، فليس ثمة من مسافة. هو كالمرآة بالنسبة لي، وللأسف فإن الأكثرية لا تعرفه عن قربraquo;.

تدور اليوم في طهران معركة مكشوفة بين أركان الحكم، وفي حين تنقل التقارير الإخبارية أنباء الخلاف بين المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس نجاد، واعتكاف الأخير لأسبوع احتجاجا على ضغوط المرشد بإعادة وزير الاستخبارات، حيدر مصلحي، إلى منصبه، فإن الجدل يتركز حول توصيف ما يحدث. بعض المراقبين يعتبر أن المرشد الأعلى - وبتأييد واضح من قيادات الحرس الثوري - قام بتحجيم الرئيس نجاد، الذي بات، مؤخرا، أكثر إصرارا على توسيع سلطاته وشعبيته على حساب القوى المحافظة التي دعمت إعادة ترشيحه، بينما يرى البعض الآخر، أن التطورات الأخيرة تعكس انزعاج الفقهاء ومدرسي الحوزة العلمية، من تصريحات وتصرفات اسفنديار رحيم مشائي - صهر الرئيس ومدير مكتبه - وهنا تتم الإشارة إلى امتعاض كثير من رموز المحافظين في البرلمان والمؤسسات الأمنية من تدخلات مشائي في عمل تلك الدوائر، ومن ترويجه لفكر هدام وشعوذة، واستغلال لأحاديث عودة إمام الزمان laquo;المهدي المنتظرraquo; وربط ذلك بسياسات الرئيس نجاد.

لقد صدرت عن مشائي تصريحات متناقضة، فمرة قال إنه laquo;ليس ثمة من عداوة بين الشعب الإيراني والشعبين، الأميركي والإسرائيلي، الخلاف فقط مع الحكومةraquo;، ومرة قال: laquo;إن الإسلام الحقيقي لا يوجد إلا في إيران، وإنه بغير إيران فليس ثمة إسلامraquo;. أما تصريحاته المتعلقة بقرب ظهور laquo;المهديraquo; فأكثر من أن تحصى، ولكن يذكر سكان طهران أنه طرح مشروع بناء لاستقبال عودة الإمام laquo;المهدي المنتظرraquo; إبان تولي نجاد لبلدية طهران، حيث كان يعمل مساعدا له. تصرفاته المثيرة للجدل، حملت المرشد على الطلب من نجاد إعفاءه مرتين: بعد الانتخابات في يوليو (تموز) 2009 حينما عين لأقل من أسبوع كنائب أول للرئيس، والثانية بعد أن اشتد العراك الشهر الماضي بين مشائي وعدد من المحافظين الذين اعتبروا أن الرئيس نجاد يعد العدة لترشيح مشائي - كما لمحت إلى ذلك وثيقة من وثائق الـlaquo;ويكيليكسraquo; - على طريقة تبادل الأدوار بين بوتين وميدفيديف، وتلت ذلك ضغوط على نجاد، وتعقب وحبس لبعض أبرز المقربين إليه بتهم تتنوع ما بين الشعوذة للبعض، والانتماء لفرقة laquo;الحجتيةraquo; المتشددة - التي ترفض مبدأ ولاية الفقيه - للبعض الآخر، وغيرها من تهم الفساد المالي.

هل مشائي السبب في خلاف المرشد مع نجاد؟ وهل ثمة خلاف أصلا بين الرجلين؟

ليس من الضروري تصديق كل الروايات التي تصدر عن وسائل الإعلام المرتبطة بالمرشد أو المحافظين المقربين إليه، فقد يبدو لوهلة أن ثمة شيئا من الحقيقة في ما يقال. قد تكون هناك عملية منظمة لإسقاط نجاد لبعض الأسباب المذكورة، ولكن يبدو من الواضح أن الأسباب التي تساق لتشويه صورة نجاد كانت موجودة بالأصل منذ عامين على الأقل، فلماذا ينفجر الخلاف الآن؟!

هناك ثلاث ملاحظات أساسية:

أولا: هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الرئيس بتحدي قرارات المرشد، أو محاولة توسيع صلاحيات المنصب المنتخب ضد ولاية الفقيه غير المنتخبة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ففي أجواء الصراع السياسي دائما ما يحاول خصوم ومنافسو الرئيس وضعه في مواجهة المرشد، وترويج الإشاعات عن تحديه لسلطة الفقيه، ففي 1981 قامت حملة ضد الرئيس أبو الحسن بني صدر بوصفه يخطط لإقصاء سلطة الولي الفقيه والملالي، فسحبت منه قيادة الجيش في يونيو (حزيران) لصالح المرشد، قبل أن يتم عزله. كذلك كان الأمر مع آية الله منتظري الذي تحالف المحافظون - بقيادة خامنئي ورفسنجاني وأحمد الخميني - لإقصائه عن خلافة المرشد. رئيس الوزراء مير حسين موسوي اتهم في 1989 بمناوءة بعض رجال الدين، قبل أن يتم إلغاء منصبه، لصالح مؤسسة الرئاسة، ثم تكرر الأمر مع الرئيس رفسنجاني الذي تلقى تهما بالتفريط بمبادئ الثورة، وتمت ملاحقة وإقصاء الكثير من الموالين له منتصف 1993، بحيث تعذر على الكثير منهم الترشح لاحقا، وقل ذات الشيء عن معركة خاتمي مع أنصار المرشد، التي توالت فصولها أثناء مظاهرات الطلبة الشهيرة في 1999، والتي خير فيها المرشد الرئيس خاتمي ما بين الاستقالة، أو التنصل من الطلبة وتجريم المظاهرات، وهو ما قام به خاتمي مرغما ضد الشباب الذي كان سببا في ترشيحه.

ثانيا: لطالما كان موقع المرشد موازنا للقوى المتنافسة داخل المؤسسة ذاتها، وعلى الرغم من أن الولي الفقيه ينحاز في الغالب للقوى المحافظة والأكثر تشددا، فإن المرشد يحرص على أن يكون هو المهيمن على المشهد؛ حتى إن البعض اعتبر وقوف المرشد إلى جانب نجاد بعد انتخابات 2009 مغامرة كبيرة في دعم رئيس تسيطر عليه نزعات أصولية متشددة ومرفوض من النخبة، ولكن الحقيقة البادية هي أن المرشد معني في المقام الأول بمركزه وهيبته، وأن رهانه سيكون مع أولئك الذين يؤمنون طاعة عمياء بمبدأ ولاية الفقيه، ولهذا فإن من الواضح أن المرشد لم يعد قادرا، راغبا، في الدفاع عن نجاد وسط الاختلاف الحاد داخل معسكر المحافظين، وهو لا يمانع اليوم من توبيخه أو حتى إجباره على الاستقالة؛ لأنه يريد في الأخير تأمين جبهة المحافظين واستبدال نجاد الذي بدا ثقيلا حتى لا يخسر حلفاؤه انتخابات المجلس القادمة في 2012، أو الانتخابات الرئاسية في 2013.

ثالثا: علينا دائما أن نتذكر أن إيران منذ الثورة تعيش في جو من الانقسام السياسي والتنافس الحاد بين الطامحين من رجال الدين، ومن الشباب المؤمن بالحل الإسلامي، الذين شكلوا عصب الحرس الثوري والحياة السياسية. قد يكون نجاد حقق شعبية منقطعة النظير بين صفوف الطبقات الشعبية الفقيرة والمتدينة، ولكن إيران بلد تهيمن عليه ثقافة أصولية دينية؛ الغلبة فيه لأنصار التيار الإسلامي والملالي المسيسين، ولهذا فإن أجندة نجاد ومشائي هي شعبية من حيث استغلالها للطائفية، والحس القومي، والسياسات المستفزة ضد الغرب ودول الخليج، ولكن في بلد تنتشر فيه كثير من الأفكار الخرافية - كما بقية البلدان العربية السنية - وتسوده شوفينية قومية ضد الآخر، فإن وسائل النجاح مرتبطة باللعب على الأوتار الشعبية، ولكن يجب أن لا ننسى أن التيار الديني واسع، ومتعدد الأصوات، ومتصادم مع بعضه في كثير من الأحيان. هناك المتطرفون، وهناك الأكثر تطرفا حتى داخل اليمين.

لا شك أن نجاد يشعر بمرارة لأن المرشد تخلى عنه، فهو من أشد المدافعين والمؤمنين بالمرشد، ولكنه يدرك بأن خصومه داخل معسكر المحافظين قد استطاعوا تهميشه، واستمالوا الولي الفقيه بغية أن يضحى به في القريب العاجل، ولم تشفع له كل تلك السياسات المتشددة التي انتهجها في الداخل والخارج.

الأكيد أن الإمام خامنئي قد أثبت خلال العقود الثلاثة الماضية مكيافيلية ذكية، حيث كان الأبرع سياسيا، والأكثر قدرة على التخلص من خصومه ومنافسيه في اللحظات الحاسمة، لقد تغدى بهم قبل أن يتشعوا به، ولم يتورع قط في التضحية برجاله متى اضطرته الحسابات السياسية إلى ذلك، وهو ما فشل نجاد في فهمه.