سمير الحجاوي

يكرس الرئيس باراك أوباما نهاية العصر الأمريكي في العالم العربي أو quot;الشرق الأوسط كما يحلو للغرب أن يطلق على عالمناquot; عبر تبنيه للطروحات الإسرائيلية إلى درجة التناهي رغم quot;المحسنات اللفظيةquot; التي تحفل بها خطاباته، في تعبير عن المأزق الأمريكي، الذي دخل في عنق الزجاجة بسبب الخسائر العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان، والخسائر السياسية التي كشفت جانبا منها وثائق ويكليكس والثورات العربية.
لقد أثبتت وثائق ويكليكس أن واشنطن تتعامل مع العالم العربي بوصفه quot;عزبة أو مزرعةquot; تتصرف بها كما تشاء من خلال وكلائها الذين يروجون أن واشنطن تملك 99% من أوراق اللعبة، وهو ما ثبت أنه غير صحيح، فالثورات الشعبية العربية استطاعت أن تطيح برئيسين عربيين quot;تكلساquot; في السلطة، خلافا لرغبتها ومحاولاتها المحمومة لحمايتهما، ولم تستطع أن تتوقع اندلاع هذه الثورات ولا مآلاتها أو النتائج التي ستفضي إليها، وكانت الأحداث أسرع من قدرة البيت الأبيض على التفكير والتدبير وربما quot;التآمرquot;، مما نزع من يدها ورقة التحكم بمسار الأحداث، وأوقعها في سوء التقدير والمعالجة واتخاذ مواقف متخبطة زادت من عزلتها في العالم العربي، وهوت شعبيتها المتهاوية أصلا إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق كما أشار استطلاع معهد بيو الأمريكي.
هذا الواقع المتغير والسريع دفع واشنطن إلى محاولة حماية الأنظمة التابعة لها من السقوط، وعندما فشلت حاولت التقليل من الأضرار والالتفاف على الثورات الشعبية، وعندما فشلت مرة أخرى، حاولت أن تلعب لعبة خلط الأوراق عبر إلحاق جهات مرغوب بها بالثورة، وعندما فشلت في هذا المسعى أيضا، لم تجد بدا من رفع الغطاء عن الرؤساء التابعين لها من quot;حراس مصالحهاquot; وضحت بهم، وقدمتهم قرابين على مذبح مصالحها في العالم العربي، ثم انتقلت إلى مرحلة الغزل مع quot;شباب الثورةquot;، الذين أشاد بهم الرئيس أوباما في البيت الأبيض.
لكن أميركا التي تسير إلى quot;حتفها السياسيquot; في العالم العربي quot;الشرق الأوسطquot;، لم تستطع أن تخرج من جلدها، فراوغت الثورة في ليبيا، ولعبت معها لعبة المجهول، ولعبت ذات اللعبة في اليمن وحاولت أن توفر أكثر من طوق نجاة للرئيس علي عبدالله صالح الذي يتظاهر اليمنيون لإسقاطه وإجباره على الرحيل، أما في سوريا فقد كان الموقف الأميركي quot;مخزيا ومعيباquot; إلى درجة تفوق مواقفها السابقة كلها.
هذه المواقف أفقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها لدى المواطن العربي، لكن الضربة القاضية لهذه المصداقية جاءت عندما أعلن أوباما عن quot;التزامه الحديديquot; والثابت بأمن إسرائيل، وانه quot;يتفهم خشية الإسرائيليين على وجودهمquot; كأمة.. وأن وجود إسرائيل قوية وآمنة يلتقي مع المصلحة الوطنية لأمن الولايات المتحدةquot;، وتباهى في خطابه في أمام مؤتمر منظمة quot;ايباكquot; أقوى جماعة ضغط يهودية في الولايات المتحدة quot;، بان المساعدات العسكرية لإسرائيل في عهده وصلت إلى مستويات قياسية وتعهد بمساعدتها على الاحتفاظ بتفوقها العسكري على كل العرب وجيرانهم.
الرئيس الأمريكي أوغل في الأخطاء السياسية القاتلة، عندما هاجم اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، ودعا إلى اعتراف الفلسطينيين بحقوق quot;إسرائيلquot; في منطق مقلوب، وتناسى أن إسرائيل هي التي تحتل فلسطين وتشرد الشعب الفلسطيني، وهي التي تمنع قيام دولة فلسطينية وتهود القدس والضفة الغربية، وتحاصر غزة، وتسن القوانين ضد الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 لإجبارهم على الرحيل، ورغم كل ذلك يدعو إلى quot;حق إسرائيل..quot;. وإلى أخذ الحقائق الديمغرافية quot;لليهود المحتلينquot; بعين الاعتبار دون أن يأخذ الحقائق الديمغرافية للفلسطينيين بعين الاعتبار.
أوباما تماهى مع الطروحات الإسرائيلية تماما بعد التوبيخ الذي تلقاه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض وأمام عدسات كاميرات الإعلاميين من كافة أنحاء العالم وألقى عليه درسا طويلا ليحذره من quot; أن خطته للسلام واهمةquot;، ويؤكد على لاءاته الأربعة: quot;لا لحدود 1967 ولا لمفاوضات مع حماس ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين ولا للانسحاب الإسرائيلي من غور الأردنquot;.وترافق ذلك مع خطط لبناء مزيد من المستوطنات والوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس.
الولايات المتحدة فقدت كل مصداقيتها وتحولت إلى خصم حقيقي للشعوب العربية، وفقدت القدرة على التأثير في مجريات الأحداث، وفشلت بحماية الرؤساء التابعين لها من السقوط، وهذا يعني بكل بساطة أن الثورات العربية تسرع بنهاية العصر الأمريكي في العالم العربي، فالجيل الجديد من الشباب العرب افلتوا من القبضة الأمريكية والغربية وفكوا طوق الإذعان، وأربكوا السياسة الأمريكية وافقدوها توازنها وقدرتها على الحركة الراشدة.