The Economist


تراجع الدعم لنظام الأسد بسبب الأعمال الوحشية التي يمارسها، منها حملة الاعتقالات واستعمال الدبابات والمدفعية والقناصة ضد المواطنين العُزَّل، كما أن عجز وسائل الإعلام السورية الرسمية عن مواجهة سيل المشاهد المريعة والشهادات التي تعرض تفاصيل الأعمال الوحشية التي يمارسها النظام، أدى إلى تصعيب مهمة التمسك بخطابها الرسمي.

وفقاً لاعتقاد شائع في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تندلع أي حرب عربية إسرائيلية شاملة من دون مصر، كما لا يمكن عقد أي سلام طويل الأمد من دون سورية، فقد استعملت سورية، التي تعاني الفقر والضعف العسكري، موقعها كمعقل جيوسياسي وسياستها القمعية المتهورة لفرض نفسها كطرف لا غنى عنه لإرساء النظام في المنطقة، لكن نظراً إلى صعوبة قمع الانتفاضة القائمة منذ شهرين ضد نظام الرئيس بشار الأسد، تجازف سورية بفقدان ذلك الموقع الاستراتيجي، مما قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط.

في هذا الإطار، يشير أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمسؤول عن تغطية أحداث سورية إلى عقود الدكتاتورية في عهد الأسد ووالده حافظ، قائد القوات الجوية الذي استلم الحكم في عام 1970، قائلاً: 'حين يكون الوضع جامداً طوال 40 عاماً، لا يمكن أن نتوقع ما ستؤول إليه الأمور عندما يذوب الجليد وتتبدل الأحداث'، إذ ستواجه الدول المجاورة لسورية، فضلاً عن حلفائها من أمثال إيران، و'حزب الله' اللبناني، ومختلف الفصائل الفسلطينية، بما في ذلك حركة 'حماس' الإسلامية، معضلة حقيقية في حال استمرار الاضطرابات لفترة طويلة أو انتشار فوضى عارمة أو حدوث تغيير مفاجئ للنظام.

تفضل معظم تلك الأطراف بقاء الأسد في منصبه، وحتى إسرائيل نفسها تدرك أن الأسد حرص على إرساء الهدوء على حدودهما المشتركة، مع أن سورية تُعتبر من ألد أعدائها بين العرب، وعلى صعيد آخر، لا يريد الملك عبدالله الذي يواجه اضطرابات أخرى في الأردن أن تنجح الانتفاضة الديمقراطية في بلد مجاور له، ويخشى العراق الذي يخضع الآن لحكم الأغلبية الشيعية، بعد سنوات مريعة من الحرب الطائفية، مما يمكن أن يحصل في حال استلمت الأغلبية السنّية السورية الحكم بعد عقود من هيمنة العلويين على السلطة بقيادة الأسد، علماً أن السُّنة يشكلون ثلاثة أرباع الشعب السوري، بينما يُعتبر العلويون فرعاً من الطائفة الشيعية التي لا تتجاوز نسبتها عُشر الشعب السوري. في المقابل، كانت تركيا قد عززت روابطها مع الأسد كجزء من سياستها التي تخلو من المشاكل، ولكنها تخشى الآن انتشار الفوضى على حدودها الشاسعة وزيادة نفوذ الأقلية الكردية التي تتعرض للقمع منذ فترة طويلة في سورية.

وكما جرت العادة، يختلف اللبنانيون في ما بينهم حول موقفهم من الأزمة التي تواجهها سورية، علماً أن النظام السوري لطالما استعمل نفوذه للتحكم بالسياسة الطائفية المضطربة في لبنان، لكن يشعر أبرز منتقدي الأسد بالقلق من أن يهلع حلفاؤه اللبنانيون النافذون والمسلحون في حال سقوطه، فقد يتخلى 'حزب الله'، في حال فقد الصلة التي تربطه بحليفه الإيراني، عن ادعائه الظاهري باحترام الديمقراطية اللبنانية التي شارك في تحديد معالمها من وراء الكواليس، وفي هذا الإطار، يحذر أستاذ في العلوم السياسية في بيروت من احتمال سقوط الأسد قائلاً: 'لن يتقبل حزب الله هذا الوضع بهدوء، بل سينفذ انقلاباً ويستولي على النظام'.

لكن حتى في أوساط حلفاء الأسد، تراجع الدعم لنظامه بسبب الأعمال الوحشية التي يمارسها، منها حملة الاعتقالات واستعمال الدبابات والمدفعية والقناصة ضد المواطنين العُزَّل، كما أن عجز وسائل الإعلام السورية التابعة للدولة عن مواجهة سيل المشاهد المريعة والشهادات الشفهية الانفعالية التي تعرض تفاصيل الأعمال الوحشية التي يمارسها النظام، أدى إلى تصعيب مهمة التمسك بخطابها الرسمي. لطالما استمدت عائلة الأسد شرعيتها من دعمها المستمر لحقوق الفلسطينيين، غير أن مشهد المحتجين الفلسطينيين الذين هرعوا إلى التظاهر في محيط السياج الحدودي على طول هضاب الجولان التي تحتلها إسرائيل، كما فعلوا في 15 مايو، اعتبرته معظم الصحافة العربية خطة لتحويل الانتباه عن الاضطرابات السورية، وبالنسبة إلى الإسرائيليين، كانت تلك التظاهرات مؤشراً واضحاً على أن نظام الأسد المتخبط قد يكون أسوأ من أي نظام جديد ومجهول الهوية.

ميدانياً، يؤدي فشل المتظاهرين السوريين حتى الآن في إعاقة مسار الحياة العادية في أكبر مدينتين سوريتين، دمشق وحلب، إلى مساعدة النظام على تصوير الاضطرابات الحاصلة على أنها حوادث محدودة ومتفرقة على يد مخربين خارجيين، ويقول المسؤولون السوريون إن قوات النظام سيطرت على المناطق التي انتشر فيها المتمردون، وهم يصرون على أن الاحتجاجات ستتلاشى خلال وقت قصير، وكذلك، تم تجاهل دعوة المعارضة إلى تنفيذ إضراب عام في 18 مايو.

يظن معظم المعلقين السياسيين أن النظام لن يسقط في القريب العاجل، ففي مصر وتونس، رفض عدد أكبر من الجنود المحترفين فتح النار لإنقاذ رؤسائهم المحاصرين بعد انهيار الشرطة، لكن الجيش السوري مصمَّم لحماية هذا النظام تحديداً. تملك أبرز كتائب الجيش ما يلزمها من المعدات، وقد حصلت على مستوى أفضل من التدريب مقارنةً ببقية فروع الجيش، وهي تخضع لأوامر أتباع الأسد أو أبرز الشخصيات الموالية له، لكن يشك البعض في رغبتهم في متابعة القتال حتى النهاية.

لا تزال المعارضة السورية هشة، وهي تفتقر إلى قيادة فاعلة، وعلى مر السنين، كان النظام يتعاون مع معظم المنتمين إلى الطبقة الوسطى السنّية في المدن، وقد نجح في إقناع جماعات أخرى- مثل الأقلية المسيحية التي تشكل 10% من الشعب- بأن سورية قد تغرق في حرب أهلية، بما يشبه ما حدث في العراق أو لبنان، في حال رحيل الأسد.

لكن مع ارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 800 شخص وإقدام الجيش على محاصرة عشرات البلدات والقرى، ربما اكتسبت الثورة السورية زخماً مهماً الآن، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى يخوّلها الإطاحة بالنظام في أي وقت قريب، وقد أصبح البغض الطائفي واقعاً ملموساً بعد أن كان في البداية ورقة ضغط يلعبها النظام لحشد دعم الأقليات الأخرى. ليست مصادفة أن تحدث معظم الثورات المستمرة وأسوأ الأعمال الانتقامية في المناطق ذات الأغلبية السنّية، ويبدو أن الاعتداءات العشوائية على قوى الأمن استهدفت الضباط العلويين بشكل خاص، وقد ذكرت مصادر النظام أن عدد القتلى في صفوفهم وصل إلى 120 عنصر أمن.

يعترف رجل أعمال من دمشق، ازدهرت أعماله في عهد الأسد، بأن سورية 'ستشهد هذا الوضع المضطرب خلال الأشهر الستة المقبلة على الأقل، وبعد ذلك سيصبح بشار الأسد أكثر ضعفاً أو سيقرر الجنرالات أن حكم الأسد أصبح عبئاً عليهم'.