داود البصري

مجلس التعاون الخليجي بعد ثلاثة عقود طويلة من التأسيس حقق كمنظمة إقليمية بعضا من الأهداف الناجحة فيما تلكأت مسيرته في محطات أخرى، لقد استطاع المجلس بدوله الست أن يدير أوراق وملفات الصراع الإقليمي الشرس في أوقات صعبة اقترنت بمرحلة التأسيس، وهي مرحلة الحرب العراقية/ الإيرانية الطويلة القاسية وارتداداتها الأمنية وتوابعها كالأعمال الإرهابية والخلايا السرية الإيرانية الموجهة من نظام التبشير والتصدير الثوري للجمهورية الإيرانية التي وضعت أنظمة الخليج العربي كهدف محوري وكمشروع ثوري لانقلاب سياسي يطيح بأنظمة المنطقة و يؤسس للجمهورية الإسلامية بمجالها الحيوي وتحت الزعامة القومية الفارسية، وهو ما يحاول الإيرانيون تحت قيادة أحمدي نجاد وخطه الفكري والعقائدي تحقيقه وسط شعارات التضامن الإسلامي الاسمي وهو مجرد يافطة مرفوعة للاستهلاك المحلي، وكل التحديات والاستعراضات العسكرية الإيرانية في الخليج العربي موجهة على شكل رسائل تهديدية لأنظمة المنطقة، فالجانب العسكري في الجيش والحرس الثوري الإيراني يطلق التهديدات الفظة، فيما تقوم الدبلوماسية الإيرانية بدور معاكس للتطمين وإرسال رسائل الود والصداقة!! وذلك لا يعبر عن صراع داخلي إيراني بين مراكز قوى مختلفة؟ بل يعبر عن تبادل للأدوار ووفق نفسية عرف بها الإيرانيون وتميزوا عبر التاريخ الدبلوماسي الإيراني ذلك ما يقوله التاريخ منذ أيام الخلافة العباسية وحتى اليوم، فذكريات أبو سلمة الخلال وأبو مسلم الخراساني والبرامكة وآل طاهر بن الحسين وغيرهم، مجرد أمثلة بسيطة على ما نقول.
و يبدو أن خيارات دول مجلس التعاون في تعزيز الملف الأمني وبناء المنظومة العسكرية من خلال الإستعانة بدول ومنظومات بعيدة عن الحيز الإقليمي للخليج العربي قد رسم خيارات ستراتيجية بعيدة المدى ومكلفة، غير أن هنالك عناصر قوة محلية لم يتطرق لها مجلس التعاون الخليجي، وتحتاج لقرار سياسي جريء يتجاوز بكثير حالة انتظار الخطر أو انتظار الضربة الأولى إلى المبادرة بتنفيذ فعل وقائي، وأهم عنصر وملف ستراتيجي قوي يمتلكه الطرف الخليجي في مواجهة ملفات العدوان الإيرانية هو الملف الأحوازي، الذي يمثل الذروة والكنز في الوضع الاستراتيجي الخليجي، فالأحواز التي تعيش منذ سنوات في حالة ثورة شعبية تصاعد أوارها مؤخرا، تمثل أكبر جانب قوة مهملة في ملف التعامل مع النظام الإيراني صاحب المشروع التبشيري و التصديري الذي شهدناه في العراق ولبنان، والذي يحاول اليوم اختراق السيادة الخليجية وتوجيه الضربة للتجربة الخليجية في مملكة البحرين التي تواجه بدورها عدوانا إيرانيا احتلاليا صرفا يتسلل من تحت خيوط الصراع السياسي الداخلي في البحرين ليصل لمحطته النهائية في تقويض المملكة وإقامة حكومة الولي الإيراني الفقيه، مما سيفتح الباب علنا لإقامة laquo;جمهوريات طائفيةraquo; في الخليج العربي تتحد في النهاية مع قائدها المرجعي في طهران!!
هذا المشروع ليس حلما ولا تهويلا بل أنه أمر واقع تشهد بإمكانية تحققه ماحدث ويحدث في العراق الذي تحول اليوم بفضل فشل السياسة الأمريكية، تحول لحديقة خلفية للنظام الإيراني ولمزرعة يسرح فيها النظام الإيراني من العملاء العراقيين وغيرهم لتهديد أمن وسلام المنطقة، في التركيز الخليجي على دعم الملف التحرري الأحوازي جوانب قوة رهيبة يدركها النظام الإيراني جيدا ويرتعب من نتائجها.
بصراحة مطلقة وبعيدا عن كل إشكاليات النفاق السياسي أو المراوغة فإنه لا أمن حقيقي في الخليج العربي بدون تبني الملف التحرري الأحوازي ودعم الثورة الأحوازية وجمع المجاهدين الأحوازيين و تنظيم عملهم و المساهمة الفاعلة في إنشاء منظمة التحرير العربية الأحوازية التي تجمع في إطار تنظيمي وحدوي شامل كل الفصائل الأحوازية المختلفة تحت مظلة واحدة هدفها التحرير النهائي و إبعاد شبح التقسيم الطائفي عن المنطقة، الأحواز دولة عربية وشعب عربي خليجي أصيل ستكون عودته للساحة الدولية بمثابة نصر خليجي كاسح، وما ينقص فقط هو الإرادة الفعلية والفعل المباشر في الأحواز العربية الحرة الدواء والبلسم.