عبدالرحمن الراشد


يقال إن مسيحيي سوريا في فزع من الأحداث دفعهم إلى إلغاء حفلات الزواج، والامتناع عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وسحب مدخراتهم من البنوك. المتطرفون الإسلاميون آتون، هذه هي الفزاعة التي جعلت بعضهم يتقوقع في بيته وآخرين يتقدمون الصفوف للدفاع عن النظام، والأقل حيلة يصلي للرب أن ينجي النظام ويمد في عمره. لماذا هذا الخوف كله والتقوقع؟
في سوريا، المسيحيون أقلية، مليون ونصف، ومثل كل الأقليات هم في قلق من إسقاط النظام الحالي، مع أن بعض رموزهم من رواد المطالبين بالإصلاحات السياسية، مثل ميشال كيلو الذي بدأ نشاطه منذ نحو عشر سنوات وسجن بسببه. وما حدث للمسيحيين في العراق من قبل، ويحدث الآن في مصر، يثير خوفهم من المستقبل ويجعلهم يتشبثون بالنظام مهما كان ديكتاتوريا وظالما.
في مصر، المسيحيون أقلية كبيرة، ثمانية ملايين قبطي. كانوا يشتكون من حكم مبارك بأنه تعسف في استخدام نظام الطوارئ في معالجة المواجهات الطائفية، ورفض إلغاء الديانة من الهوية، واضطهدهم كما يقولون بقوانين تمنع بناء الكنائس وغيرها مما جعل بعض الأقباط يشنون خلال السنوات الأخيرة حملة ضد نظام مبارك في الولايات المتحدة. في حين أن مسيحيي العراق الذين تعايشوا مع نظام صدام صاروا هدفا بعده، لكن المجتمع كله كان مستباحا لا المسيحيين وحدهم. صحيح أنهم عانوا لكن الحقيقة الكاملة أن فئات المجتمع كلها عانت كثيرا من الفراغ السياسي.
في سوريا ولبنان يتم ترويع المسيحيين بأنهم مستهدفون من الشارع، وذكر مراسل laquo;واشنطن بوستraquo; أن النظام يشيع أن هناك جماعات سعودية وعراقية متطرفة تنوي تفجير كنائسهم، مثلما أشاع أن هناك متطرفين مسلحين يطلقون النار على المتظاهرين العزل، أكاذيب هدفها واضح وهو حشد التأييد ضد الانتفاضة. وهنا يجد المسيحيون أنفسهم إما مع دعم نظام قمعي أو مناصرة بديل تريده أغلبية الناس. وقطعا يكون التفكير قاصرا إن راهنت أي أقلية على نظام قمعي لأنه سيسقط في نهاية المطاف. الخيار المثالي في سوريا أن يعالج النظام السوري نفسه وينتقل إلى نظام يستوعب الجميع يكون هو جزءا منه، لكن يبدو أن هذا أمر بعيد المنال.
ولا ينبغي أن نحمل المسيحيين في الأزمة السورية أكثر من طاقتهم فتأثيرهم أضعف من إسقاط النظام أو إنقاذه، فالأغلبية هي الأكثر حظا في الحسم، لكن موقفهم يظل رمزيا.
المشهد في مصر ليس جميلا، حيث انقسم الأقباط مثل بقية الشعب المصري، وانسجموا لاحقا مع التغيير، لكن الثورة أفرزت كوابيس لهم، حيث أحرقت لهم كنائس، وتقاتلوا مع متطرفين إسلاميين على فتاة قيل إنها أسلمت. المشكلة في الفراغ السياسي الذي هو أخطر ما يمكن أن يواجه أي مجتمع متعدد وفي مصر درس للجميع. وأنا واثق أن المصريين سيتجاوزون مخاض المرحلة.
ولأن حديث الثورات تختلط فيه المخاوف والآمال فإن أعظم ما يمكن أن تحلم به أي أقلية، مسيحية كانت أو علوية أو شيعية أو سنية أو غيرها، ليس حكومة عادلة بل حكم عادل يمنحها حقوقها كاملة في التعبد والتساوي في الحقوق المدنية. ومن مستوجبات العدالة في الدولة العصرية أولا دستور يحمي الأقليات، فلا تكون الأغلبية قادرة على اضطهادهم باسم الديمقراطية العددية أو الغلبة الدينية.
الذي أعنيه هو أن المسيحيين ليسوا جماعة طارئة، هم أهل أرض ولهم تاريخ سابق حتى للمسلمين، ويرتكبون خطأ فادحا بالاحتماء بأنظمة ديكتاتورية خشية الخوف من المستقبل المجهول.
في سوريا النظام لم يحم المسيحيين من المسلمين لأن الأغلبية السنية لم تعان من اضطهاد ديني أصلا. ويجب أن نعترف أنه ليس صحيحا أن النظام حرم السنة من حقوقهم الدينية، أو مارس سياسة تمييز طائفية ضدهم. فالذين يتظاهرون ضد نظام الأسد لا مطالب دينية لهم، مطالبهم من درعا وحتى دمشق لخصوها في كلمة واحدة laquo;الحريةraquo;، بما فيها حرية اختيار النظام. فالنظام نفسه يحكمهم باسم الحزبية والانتخابات التي يعتبرونها واجهات مزورة.
وللحديث بقية.