خضير بوقايلة


يوما بعد يوم وجمعة بعد جمعة تتجه سورية نحو حالة الفوضى المعممة، لكن على النظام الذي يصر على مقاومة موجة التغيير بكل الوسائل الظالمة أن يفهم تماما أنه زائل لا محالة وأن أيام العز والاستئساد لن تعود أبدا، هذه هي سنة الله وهذه هي القاعدة ولا استثناء فيها. على النظام أن يفهم هذا وعلى الشعب أيضا أن يطمئن إلى أنه لن يعود كما كان ولن يبقى للسوط والعصا أي مفعول إلا أن يكون عكسيا. وحتى تتدرب أجهزة الأمن في الأنظمة القمعية على تقبل هذه الحقائق الجديدة عليها أن تطلب دورات تدريبية مكثفة عند الأمريكيين والروس على حد سواء، وهناك سيقولون لهم إن هناك تغيرا طرأ على أنماط الحكم وعلى سلوكيات الشعوب، وإن القمع وقتل الناس لم يعد يخيف أحدا الآن، بل صار ذلك يُحدث أثرا عكسيا، وسيفهمونهم أيضا أن كل الأسطوانات القديمة المتعلقة بالخطر الإسلامي والأمن الإقليمي والعالمي باتت أسطوانات مشروخة لا تأثير لها، والأهم من كل ذلك أن الغرب والشرق لم يعد بإمكانهما الاستمرار في حماية الظالمين والطغاة والمتسلطين على شعوبهم. لقد كانوا يفعلون ذلك إلى وقت قريب، لكنهم الآن أدركوا أن الأمر تغير وأن الشعوب لم تعد تساق كالأنعام..
هل يعتقد الرئيس الأسد أنه أذكى أو أقوى من بن علي ومبارك والقذافي حتى يطمئن إلى أنه سيشذ عن قاعدة التغيير؟ لن تنفع أية خطوة ولو كانت جادة نحو الإصلاح فكيف بشحذ آلة القمع والتعذيب والكذب على العالم. أناس أبرياء ماتوا ظلما وهذه المرة على مرأى ومسمع كل العالم، والروح صارت الآن أغلى مما كانت عليه من قبل لأن شباب سورية اكتسبوا مناعة عجيبة ضد كل أساليب القمع بما فيها القتل الوحشي الذي نراه يصيب كل يوم العشرات من خيرة أبناء البلد.
أشفق كثيرا على المصير الذي سيلقاه هنا في هذه الحياة الدنيا أو غدا في الآخرة كل أولئك الذين يطلعون علينا صباح مساء مستمرين في ليّ عنق الحقيقة والبحث عن أكاذيب لا تنطلي حتى على الرضع. أناس بألقاب أكاديمية عالية يرددون أنذل الأكاذيب في حق شعب يتعرض لأبشع أنواع الظلم والقهر والبغي، وسواء كان ما يفعله هؤلاء الدكاترة والأساتذة والإعلاميون خوفا أو تملقا لأسيادهم فإن عليهم أن يتفطنوا هم أيضا ويتأكدوا أن الأفضل هم أن يتوبوا ويستغفروا لذنبهم أو على الأقل أن يصمتوا ويختفوا نهائيا من الساحة.
شباب أبرياء يخرجون إلى الشارع ليطالبوا بشيء من الكرامة يقتلون وينكل بجثثهم ثم يتحولون على ألسنة هؤلاء الأفاكين إلى خونة وعملاء ومندسين وإرهابيين نالوا ما يستحقون. أين كانت أجهزة الأمن والمخابرات التي لا تخفى عنها خافية في جنبات سورية قبل ثلاثة أشهر وكيف ظهرت جماعات المندسين والإرهابيين فجأة مدججين بالأسلحة وقادرين على قتل هذا العدد الكبير من عناصر الجيش وإثارة كل هذه الفوضى في البلد؟ ألا يستحق مثل هذا التسيب والإهمال في ضبط الأمن ولو قرارا رئاسيا واحدا بتنحية مسؤول أمني واحد ومتابعته في القضاء العسكري على ترك البلد فريسة لعصابات المندسين والخونة والإرهابيين؟
أيعقل أن يصول العملاء والمندسون والإرهابيون في البلد بهذه الطريقة وكل هذه الفترة من دون أن يخرج القائد الأعلى للقوات المسلحة والمؤتمن على أمن البلد بقرار واحد يعلن فيه عن مخطط أمني استعجالي أو عن تدابير وقائية صارمة لمواجهة هذا الخطر الخارجي الداهم؟ هل يليق بقيادة حكيمة لبلد يقف في خط المواجهة أن تبقى تتفرج على المندسين وهم يعيثون في الأرض فسادا وتخريبا ويثيرون فتنة كبرى في البلد من دون أن تستنفر جميع قواها وقواتها وتطلب نجدة المجتمع الدولي إن كانت عاجزة عن رفع التحدي. سورية عضو في هيئة الأمم المتحدة ومن حقها أن تطلب مساعدة دولية عاجلة للقضاء على المندسين الذين انتشروا في أرجاء الوطن بسرعة فائقة وفعالية منقطعة وتفوقوا بذلك على كل أجهزة الأمن والاستخبارات مجتمعة؟
وإذا لم يكف كل هذا فلا حرج في الانتقال إلى الخطة البديلة التي عرض تفاصيلها قبل فترة العقل المفكر للنظام، الحكيم رامي مخلوف. الرجل العارف برهانات وخفايا سير نظام الحكم في سورية أكد بكلمات صريحة لا غموض فيها أن أمن سورية من أمن إسرائيل وأي اختلال في هيكلة النظام السوري سيعرض أمن الجارة إلى درجة مماثلة، فما دام الأمر بهذا الوضوح والدقة وكل هذا الحرص على أمن نظام تل أبيب، لماذا لا تطلب حكومة دمشق من نظيرتها هناك دعما استخباراتيا وعسكريا عاجلا حتى يستعيد النظامان أمنهما ويضمنا استقرارهما معا لفترة أطول؟ إلا الحماقة أعيت من يداويها!
لا سورية ولا شعبها يستحقان ما يتعرضان له الآن من أعمال تدمير وقتل ليس لها من دافع إلا رغبة حفنة ممن اغتصبوا البلد لعقود في الاستمرار في الحكم بالطريقة التي يريدونها هم لا بما يرضى به الشعب. رؤساء تونس ومصر واليمن المخلوعون قدموا لشعوبهم حزمات من الإصلاحات السياسية والدستورية الواضحة والعملية ومع ذلك فقد كان مصيرهم السقوط والرحيل لأن كل تلك التنازلات فات وقتها ولم تعد في مستوى رغبات الشعوب المنتفضة، والكل يعلم أنهم لو قدموا ما قدموا قبل أن تشتعل نار الثورة لتحول هؤلاء إلى أبطال حقيقيين ولمحيت عنهم كل خطاياهم التي ارتكبوها على مدى سنوات طويلة. أما النظام السوري فقد عجز حتى عن تقديم مقترحات عملية ملموسة وفرضها في الواقع، كل ما ظل يردده هو وعود بالإصلاح وتشكيل لجان للحوار والتغيير وإعداد القوانين الجديدة، لجان ووعود بالإصلاح لا تأتي بشيء. أما الذي يطبق بسرعة على الواقع ومن دون أي وعد حتى فهو العنف المنظم وتكثيف عمليات محاصرة البلدات والمدن المنتفضة ودكها بالمدججين ومختلف أنواع المقذوفات دون أي اعتبار للنداءات الموجهة من أوساط الشعب ومن مختلف التنظيمات الإقليمية والدولية.
وحتى لا نظلم كل المنظمات الإقليمية لا بد لنا أن نستثني هنا جامعة الدول العربية التي لزمت حدودها وأقسمت أن لا تعيد الحماقة التي ارتكبتها قبلا مع نظام القذافي. كل الجرائم التي يعج بها موقع اليوتيوب ومواقع الثورة الإلكترونية الأخرى لم تحرك في أهل الجامعة العربية شعرة واحدة، وكأن الذين يموتون في سورية كل يوم هم حشرات أو كائنات مزعجة تستحق ما تتعرض له. شعب سورية يحتاج إلى من يقف إلى جانبه اليوم ليعينه على التحمل ويساعده على مقاومة الظلم والبغي، أما عندما ترجح الكفة وتنقلب الأوضاع فلا حاجة للسوريين لا إلى بيانات تنديد ولا إلى مقاطعة نظام الأسد ولا حتى إلى إعلان التعاطف مع الشعب البطل. الفرصة الآن مناسبة للتحرك السريع من أجل نصرة شعب يقتل ويذبح على مرأى العالم، والأمرّ من كل ذلك هو أن يطلع علينا المتخاذلون عندما يأتي النصر والدعم من الخارج ليقولوا لنا إن السوريين أخطأوا عندما قبلوا بالتدخل الأجنبي أو أن الغرب لا يتدخل إلا كمحتل في غطاء إنساني.