باريس

فرص مرشحي الحزب الاشتراكي الفرنسي في انتخابات العام المقبل من واقع استطلاعات الرأي، وضغوط الاحتجاجات الراهنة في سوريا، وتطاول وتعقيد الأزمة السياسية اليمنية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.


أسهُم رئاسيات 2012

نشرت صحيفة لوموند، أول من أمس، نتائج استطلاع رأي أجراه مركز quot;هاريس إنتراكتيفquot; حول فرص أبرز المرشحين المحتملين للرئاسيات الفرنسية المقررة العام المقبل 2012، وقد توقع هزيمة محتملة، في الشوط الثاني، لليمين الحاكم، ومرشحه القوي الرئيس الحالي ساركوزي، إذا كان المرشح الذي سيخوض معه السباق على بطاقة الحزب الاشتراكي هو زعيمه المخضرم فرانسوا هولاند، الذي توقع الاستطلاع حصوله حينها على 60 في المئة من الأصوات، مقابل 58 في المئة لساركوزي. هذا في حين أشرت الأرقام إلى احتمال حلول هذا الأخير في الترتيب الثاني، خلال اقتراع الشوط الأول إذا كان المرشح الاشتراكي هو هولاند، أو رئيسة الحزب الحالية quot;مارتين أوبيريquot;. أما إذا كانت من ستخوض الرئاسيات على بطاقة ترشيح الاشتراكيين هي سيغولين رويال مرشحتهم للرئاسيات السابقة، فسيتقدم عليها ساركوزي في الشوط الأول. وفي هذه الحالة أيضاً، أشر استطلاع quot;هاريسquot; إلى أن quot;رويالquot; لن تتأهل للشوط الثاني، حيث لن تنال سوى 17 في المئة من أصوات الناخبين، مقابل تقدم ساركوزي بحصوله على 26 في المئة، لتتلوه مرشحة اليمين المتطرف quot;مارين لوبنquot; زعيمة quot;الجبهة الوطنيةquot; بنسبة 22 في المئة. وقد نبه مركز quot;هاريسquot; ضمن تحليله لنتائج الاستطلاع إلى أن quot;قضية فضيحة القيادي الاشتراكي laquo;دومينيك ستروس كانraquo; لا يبدو أنها قد أثرت سلباً بشكل واضح على شعبية المرشحين الاشتراكيين المحتملين، حيث تصل شعبية كل من فرانسوا هولاند إلى 27 في المئة، ومارتين أوبيري 25 في المئة، وقد سجلا ارتفاعاً ملموساً في شعبيتهماquot; خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. وعلى ذكر quot;ستروس كانquot; نشرت الصحيفة نفسها أيضاً مقالاً تحليليّاً تحت عنوان quot;بعد ستروس كان... من سيمثل تيار الوسط الكبير؟quot;، أشارت فيه إلى أن الرجل ظل دائماً يكرس في الواقع اتجاهاً يقف في تلك المساحة الوسطية الكبيرة الواقعة بين مواقف اليمين الحاكم والمعارضة الاشتراكية الحدية، وهي وسطية سياسية غالباً ما كانت تضمن لصاحبها الفوز في الشوط الثاني طوال تاريخ الرئاسيات الفرنسية. واليوم وقد غيبت قضية التحرش في نيويورك المرشح الاشتراكي الوسطي، الذي كانت أسهمه في صعود مستمر حتى تاريخه، فمن يا ترى، تقول لوموند، سيملأ فراغ تلك المساحة في تصنيفات المشهد السياسي الفرنسي؟ وهنا تشير إلى عدة أسماء ووجوه ممن يمكن تصنيفهم، بهذه الطريقة أو تلك، ضمن خانة الوسطية السياسية.

تصعيد الحالة السورية

اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية صحيفة لوفيغارو أن النظام السوري لم ينجح في تجنب بعض الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها نظم دول عربية مضطربة أخرى في تعاملها مع المحتجين. فعلى رغم رفع حالة الطوارئ فقد استمر التعامل مع المحتجين بالوسائل العنيفة. وبسرعة لجأ النظام إلى ما يشبه سياسة حافة الهاوية. ففي الداخل، يسود التصعيد بدلاً من الحوار. وفي الخارج، يتم اللعب بالورقة الفلسطينية للتحرش بإسرائيل، بهدف صرف الانتباه عما يجري في الداخل. وطوال سنوات مديدة ظل النظام يستفيد من حالة الشك في طبيعة ما يجري هناك. ولكن بعد آلاف القتلى خلال الأسابيع الأحد عشر الأخيرة، لم يعد ثمة داعٍ لوجود مثل ذلك الرهان. وبعد أن كانت منطقة الاحتكاك مع إسرائيل هي أكثر الجبهات هدوءاً في المنطقة، بدأت منطقة الجولان تتحول الآن إلى ساحة مواجهة. وبذلك، يقول الكاتب، لم يعد نظام دمشق ضامناً للاستقرار الدولي، ولا سدّاً منيعاً ضد تفاقم العنف والصراعات العرقية. وفي الأخير اعتبر روسلين أنه في ضوء هذه التحولات الراديكالية الأخيرة للمشهد السوري، جاء مشروع قرار في مجلس الأمن، إن كان لا ينص على أي تدخل عسكري، إلا أنه يدين بقوة كافة أشكال القمع. وعلى روسيا قبل أن ترفع quot;الفيتوquot; ضد هذا القرار أن تزن قرارها جيداً، لأن العالم لا يستطيع ترك الشرق الأوسط يسقط في درك الهاوية. وفي سياق متصل انتقد الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية صحيفة ليبراسيون طريقة تعامل نظام دمشق مع موجة الاحتجاجات في المدن السورية، مشيراً إلى أن مما يزيد من دواعي القلق كون ما يجري هناك يتم خلف أبواب مغلقة، حيث منع النظام دخول البلاد على الصحفيين، والمنظمات غير الحكومية، وحتى الأمم المتحدة. ومن المعروف أن هذا النظام كان يحظى لسنوات مديدة بدعم المجتمع الدولي باسم دواعي الاستقرار الإقليمي، والخوف من الأصولية، ولضمان مصالح إسرائيل. ولعل مما يحسب لساركوزي وأوباما أنهما قد أحسا الآن بالفعل بضرورة تغيير هذا الموقف السياسي، فبادرا بإدانة كافة الممارسات غير الشرعية. وحتى لو كانا فعلا ذلك متأخرين، إلا أنهما فعلاه بوضوح. ومفهومٌ أن الديمقراطية، وليس الديكتاتورية، هي أفضل ضامن لصد وكبح الخطر الأصولي.

الأزمة اليمنية

اعتبرت لوموند أن ثمة حاجة ماسة إلى جرعة قوية من التفاؤل للتفكير في إمكانية انتهاء تعقيدات الأزمة السياسية اليمنية في وقت قريب. فاليمن الذي كان يسمى في السابق بـquot;السعيدquot;، أصبح في ضوء أزمته الراهنة كتلة من التحديات والمآزق السياسية، زيادة على ماظل يكتنفه من مظاهر صراع أهلي خلال الأشهر الماضية القريبة. والحال أن اليمن يرزح أصلاً تحت ضغوط قنبلة ديموغرافية موقوتة، حيث إن عدد سكانه يتضاعف كل 15 سنة -قرابة 25 مليون نسمة اليوم- على رغم محدودية موارد البلاد. وهذه الدولة زيادة على كونها واحدة من أفقر دول العالم، فهي أيضاً مبعث لصداع سياسي مزمن. فبعد أن انتعشت الآمال في المستقبل عندما توحد اليمنان، الشمالي والجنوبي، سنة 1990، عادت الآمال لتذوي لاحقاً بفعل المصاعب المتلاحقة، والتحديات المتكاثفة. فقد ظهرت نزعات انفصالية لدى بعض الأطراف في الجنوب، كما عانى الشطر الشمالي من البلاد، منذ سنة 2004 من أعباء مواجهة جماعات تمرد دينية متطرفة تنشط في أقصى شمال البلاد، قرب الحدود مع السعودية. وكان الانطباع العام لدى المراقبين هو أن علي عبدالله صالح الممسك بمقاليد السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود هو وحده من يستطيع ترويض جموح هذه المعادلات المعقدة التي تترنح البلاد على صفيحها الساخن. وزاد الأمور صعوبة تزايد نشاط بعض أكثر الجماعات المتطرفة خطورة، في بعض مناطق البلاد الأخرى، بما في ذلك جناح تنظيم quot;القاعدةquot; في الجزيرة العربية. وأكثر من هذا، تقول لوموند، لابد من الاعتراف بأن للرئيس صالح طرفاً أيضاً من المسؤولية في كل واحدة من أزمات البلاد. وهنا يمكن الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى توظيف الجماعات المتطرفة بما فيها quot;الأفغان العربquot; في المواجهة مع الاشتراكيين السابقين في الجنوب، وكذلك تحفيز والتعويل على الشبكات القبلية، وإقحامها في المشهد السياسي، مع معرفة الجميع بأن دولة عصرية لا يمكن أن تصنع بهذه الطريقة. وفي المجمل فإن إخفاقات اليمن هي حاصل جمع أداء النظام. ومعلوم أن الرئيس صالح يتعالج الآن في السعودية، بعد إصابته في قصف استهدفه، ولاشك أن من الأفضل لمواطنيه أن يقتنع الآن بضرورة التنحي عن السلطة، تقول الصحيفة، هذا مع أن خصومه الأكثر حدة الآن ليسوا هم أيضاً مؤهلين أكثر منه لإخراج البلاد من أزمتها. ومع هذا ليس اليمن أيضاً فاقداً للأمل، فثمة أكثر من ضوء في نهاية النفق. فهذا البلد يعد أحد النماذج القليلة في المنطقة التي صمدت فيها حالة من التعددية السياسية خلال السنوات الماضية، كما يشهد صعوداً واعداً للفئات الشابة من السكان، التي تقود عمليّاً حالة الربيع اليمني الراهنة. وهي من يستحق التشجيع، من قبل المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي. وفي كل الأحوال فليس هنالك من سيربح إذا هوى اليمن في حالة عنف أو فوضى طليقة، أو تحول إلى صومال أخرى جديدة.

إعداد: حسن ولد المختار