يديعوت أحرونوت
في فيلم فيديو قصير يثير القشعريرة، جرى تصويره سرا قبل ثلاثة اسابيع داخل مبنى مغلق، وليس واضحا في أي مدينة في سورية، تظهر كومة جثث نازفة، ويأتي ناس مطأطئي الرؤوس يدورون حولها وفي الجو هدوء متوتر. وعندما تنتقل عدسة التصوير الى اليمين، تبدو صورة ماهر الاسد في معطف جلد، وهو شقيق الرئيس السوري، يتحدث بالهاتف المحمول مكفهر الوجه. لا تقلقه الجثث بل يقلقه ما يحدث في الميدان.
ماهر الاسد (44 عاما) هو اليوم في المكان الثاني في قيادة الحكم السوري التي تصارع من الطبقة الثانية لـ 'قصر الشعب' في دمشق ومن هيئة القيادة العامة. يحب المحللون والخبراء ان يسموه 'رجل سورية المخيف' ويُقسمون على أن الحديث يدور عن مضطرب نفسيا يُمتعه أن ينكل بالمتظاهرين على نظام الحكم، حتى لو كان الحديث عن صغار السن، وعن قاتل بدم بارد لرافضي الأوامر العسكرية. يتجول 'الأخ السيىء' ماهر في المدن المشتعلة بصفة المنفذ والمبعوث الذي يقود القبضات الحديدية لـ 'الشبيحة' بلطجية النظام من غير ان يعوقه أحد، في حين لم يظهر أخوه 'الرئيس' على الملأ منذ اسابيع كثيرة. 'داخل الدائرة الضيقة للمقربين في القيادة هناك توزيع للوظائف واضح'، يقول خبير اسرائيلي. 'الاسد هو الحاكم لكنه ما يزال يظهر علامات ضعف وعدم قدرة على اتخاذ قرارات. فهو من جهة يريد اصلاحات ومن جهة ثانية يُذعر ويندم. يعد بتغيير كبير، ويطلق شعارات ويختفي. أما ماهر في المقابل يقوم بالعمل الاسود ويشوش ويصد الاصلاحات ايضا'. ويؤكد الخبير انه لا توجد حتى الآن علامات تشهد على أن ماهر يتآمر على بشار الاسد ويحاول خلعه.
'أبعده'، أمر رئيس حكومة تركيا طيب اردوغان بشار بتحذير جارف. 'إن اسم ماهر يظهر في جميع شهادات مواطنيك الذين هربوا من سورية. انهم ليسوا لاجئين بالنسبة الينا. انهم طالبو حماية من السلوك غير الانساني للجيش وقوات الامن بايحاء من ماهر'. وأوضح اردوغان ايضا بنغمة عالية انه اذا لم يتخلص بشار من 'هذا الشخص العنيف الذي يأمر بتنفيذ اعمال بربرية في سورية' فان الصداقة العميقة 'والقصيرة' بين الدولتين ستبلغ نهايتها.
الشياطين تخرج الى الخارج
وضعت على مائدة اردوغان في ذروة الحملة الانتخابية تقارير الاستخبارات. دعا اردوغان الاسد مرة بعد اخرى الى التخلص من أخيه ماهر وتقليص صلاحياته، 'لأن ما أسمعه يزعزعني. أخوك يقتل النساء والاولاد'. أول أمس فقط وجه الاسد بالهاتف قائلا 'إهتم بكف جماح الجيش. من غير المحتمل ما تفعله قوات الامن عندكم بمواطني سورية'. بعد مرور ساعة جاء الرد المعتاد من دمشق: فبدفعة واحدة 'جرى الكشف' عن اسلحة، وقواعد اطلاق قذائف صاروخية، ورشاشات وملابس للجيش التركي 'للبرهان' على أن يدي الجيش التركي ملوثتان بالدم.
يكشف فيلم فيديو قصير رقم 2 صوراً قبل نحو اسبوعين عن سلوك وحشي آخر للعميد ماهر الاسد. صور هذه المرة في ملابس رياضية رمادية، يستل مسدسا ويطلق رشقة رصاص نحو متظاهرين مقيدين وعلى وجهه ابتسامة غامضة. كان يبدو راضيا بيقين. 'مثل عمه رفعت بالضبط'، يقول هذا الاسبوع كاتب السيرة الذاتية لعائلة الاسد، الصحافي البريطاني باترك سيل. يتذكر سيل تقاسم الوظائف بين الاسد الراحل وأخيه رفعت في 1982، في المذبحة الانتقامية من 20 ألفا من سكان مدينة حماة اشتُبه بأنهم انشأوا حركة سرية. 'لكنّ هناك فرقاً بارزاً'، يقترح سيل: فالاسد الأب كانت له خلفية عسكرية وليست لبشار، وهذا هو السبب الذي يجعل الأخ ماهر يتولى القيادة الميدانية تحت عنوان 'انقاذ النظام'. انه يفعل كل ما يستصوبه من غير ان يشوشوا عليه حتى الآن'.
عندما تولى بشار الاسد الحكم في حزيران ( يونيو) 2000 'انتخب' ماهر عضوا رفيع المستوى في اللجنة المركزية للحزب الحاكم في سورية، البعث، لكنه لم يخلع بزته العسكرية. وبعد مرور ثلاث سنين سجل لنفسه واقعة اسرائيلية انتهت بصوت واهن ضعيف وتركت طعما مرا لدى جميع الجهات. بحسب التقرير، التقى ماهر في الاردن مع ايتان بن تسور، المدير العام لوزارة الخارجية سابقا، بواسطة رجلي اعمال اسرائيليين. سربت جهات اسرائيلية اللقاء السري لتعويق نية تجديد التفاوض مع سورية على حسب الصيغة التي اقتُرحت في اللقاء. نشرت عدة روايات عما حدث هناك. بحسب رواية رجلي الاعمال، كان الاسد مستعدا للسير نحو اسرائيل وتقديم خطوات تبني الثقة. فقد اقترح على سبيل المثال مبادرات سياسية لكنه طلب مبالغ ضخمة من اسرائيل اذا فقد السلطة من اجلها. وزعم ديوان رئيس الحكومة اريئيل شارون في مقابل ذلك أن هدف الاجراء الوحيد كان إزالة سورية عن محور شر الامريكيين. إن شارون الذي عارض التنازل عن هضبة الجولان ولم يحلم بمنازعة الادارة في واشنطن من اجل سورية، أبعد الحادثة بحركة يد استخفافية. 'ماهر غير مهم وخطته لا تعنيني'، قال. وأنكرت دمشق والتزم ماهر بالصمت. ويفضل بن تسور الحفاظ الآن ايضا على السرية: 'لا أريد ولا استطيع في هذا الشأن أن أقول أي شيء'، قال أمس.
يُعلم القليل جدا عن حياة ماهر الاسد الخاصة. فهنا وهناك التقطت له صور مع بشار لاظهار وحدة العائلة. ورحلاته الى الخارج (روسيا ولبنان وايران) نادرة ومعدودة وتحت غطاء السرية دائما.
انه الأخ الاصغر سنا بين أبناء حافظ الاسد وأنيسة مخلوف الخمسة. يقولون عنه انه أذكى وأدهى من بشار لكنه حاد المزاج. توفي اثنان من اخوتهما: باسل الذي أُعلم وأُعد ليكون وريثا للرئيس وقُتل في حادثة طرق في 1994، ومجد المضطرب العقل الذي مات بمرض قبل سنتين.
عاش ماهر مثل أخيه حياة متواضعة، ودرس في مدرسة حكومية، وتابع الدراسة في معهد ادارة اعمال في جامعة دمشق واختار حياة عسكرية. 'بخلاف بشار تبين أن ماهر شاب ذكي جدا وفي مرحلة ما كانت أفكار بأن يُعد هو خاصة ليكون وريث الرئيس لكنه كان صغير السن جدا'، يقول خبير اسرائيلي بالعائلة الحاكمة في دمشق. 'بعد أن مات أبوه بمرض السرطان ونُصب بشار رئيسا، بدأت تظهر عند ماهر شياطين عنيفة كثيرة جدا وعلامات مبكرة على سلوكه القاسي منذ بدأت الأحداث في سورية'.
في كانون الاول ( ديسمبر) 1999، في ذروة جدل عائلي في القصر، استل ماهر مسدسا وأطلق رصاصة واحدة قبل ان يستطيعوا صده، على بطن زوج شقيقته البكر بشرى، الجنرال آصف شوكت. تركز الجدل على سلوك العم رفعت الذي أُبعد الى اسبانيا وحاول ان يهيج انتفاضة داخل المنطقة العائلية في القرداحة وفي المدينة الساحلية اللاذقية. شتم شوكت رفعت وأبناءه. قال ماهر لزوج شقيقته: 'لا تدس أنفك، ولا تتجرأ على شتم العائلة' واستل المسدس.
فعلوا كل ما يجب في دمشق لاخفاء القضية التي ذكّرت بالمسدس العصبي الذي وجهه عُدي ابن صدام حسين الى بطن زوج الشقيقة، حسين كامل، داخل القصر الرئاسي في بغداد. نُقل شوكت الذي جرح جرحا بليغا سريعا الى مستشفى عسكري في فرنسا وتسربت صراعات القوة داخل عائلة الرئيس السوري الى وسائل الاعلام. أُبعد شوكت عن رتبته الرفيعة باعتباره رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في سورية، وهو مسجون في مكتب واسع في القصر لضمان المراقبة والمتابعة والتنصت كي لا يحاول خطأ العودة الى مكانته السابقة إذ كان رجل سورية القوي.
منذ رُكل، جرت تسوية العلاقات بماهر على نحو ما. فالاثنان يلمع اسماهما في رأس قائمة المشتبه فيهم انهم استدعوا اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري. ومن حسن حظهما أن زعزعة 'ربيع الشعوب' في العالم العربي والأحداث في سورية أجلت نشر استنتاجات لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة الى أجل غير مسمى.
اللاجئون يُسربون
تُقدم منظمات حقوق الانسان تقارير عن 1300 مواطن في سورية، منهم 77 ولدا، قُتلوا في المواجهات العنيفة بين اجهزة الامن والجيش والمتظاهرين. لكن العدد قد يكبر عندما يتبين مصير مئات المفقودين والمختطفين الذين حُملوا في سيارات عسكرية وأُخذوا الى مكان غير معلوم. كذلك اختفت آثار عشرات الجنود والضباط في القوة النظامية التي يستعملها ماهر الاسد في مراكز المظاهرات. 'أُطلقت النار على قسم منهم حتى الموت لرفض أوامر اطلاق النار على المتظاهرين ورُميت الجثث'، يقول رستم، الذي بقي في بلدة درعا وينقل تقارير ولا سيما عن طريق شبكة الهواتف المحمولة اللبنانية بشرط ألا يُكشف عن اسمه الحقيقي. 'نجح قسم في الهرب وهم يختفون في سورية، وكُشف عن آخرين في قبور جماعية كُشف عنها هذا الاسبوع'.
تظهر من مخيم اللاجئين الذي أُنشىء في تركيا وراء الحدود مع سورية، القصص عن وحشية جنود الفرقة الرابعة والخامسة من الجيش اللتين تتلقيان الأوامر من ماهر الاسد. 'كنت في الفرقة الرابعة'، يقول الجندي اللاجئ محمد سيبو. 'بعد أن كشفت عن الشبيحة رشوت الضابط المسؤول عني ليمنحني اجازة مرضية وهربت'. ويتحدث سيبو ايضا عن التوجيهات التي وجهت الى محاربي الفرقة قبل الانقضاض على المدن: 'ظهر ماهر الاسد فجأة وقال: من لا يطلق النار بحسب الأمر العسكري سنطلق النار عليه، ومن حاول الهرب سيتلقى رصاصة في ظهره كما يستحق الخونة'.
تمت حياكة الذريعة الرسمية في مدينة درعا النائية، مركز العنف الذي ظهر فجأة غير بعيد عن الحدود مع الاردن، عن 'عصابات مجرمين مسلحة' دخلت سورية وعن شبيحة 'ذوي لهجة اجنبية بالعربية' يوزعون السلاح ومواد التخريب لتأجيج المظاهرات. ماهر الاسد هو الذي أرسل الوحدة الممتازة من الفرقة الرابعة الى درعا. في لحظة ما اثناء اطلاق النار على المتظاهرين نجحوا في التعرف عليه بين لابسي البزات العسكرية، وهو يمسك رشاشا ويوجهه نحو جماعة من الشباب. منذ ذلك الحين ألصقوا به لقب 'جزار درعا'، وأضافوا بعد ذلك 'قاتل جسر الشغور'. في حين أصبحت السلطة مذعورة وحكومة دمشق لا تؤدي عملها، استدعى ماهر صحافيين اجانب ومحليين (جرى اختيارهم بتشدد بحسب مبلغ الولاء للنظام) ليلازموا، بحسب الطراز الامريكي في العراق، قوات الامن في غزوها جسر الشغور. وعلى نحو عجيب كُشف 'عرضا' عن قبر جماعي تجمعت فيه 120 جثة للابسي بزات عسكرية من الجنود والضباط السوريين. وقد جرى على بعض الجثث اعمال تنكيل.
كانت الصور ترمي الى تعزيز الرواية الرسمية عن العصابات المسلحة التي تقتل جنودا سوريين، لكن سكان الجسر قرروا أن يصوتوا بأقدامهم وهربوا الى تركيا. يقول اللاجىء حميد: 'القصة عن العصابات المسلحة مختلقة. كانت جسر الشغور قبل أن أصبحت مدينة أشباح، مدينة صغيرة يعرف الجميع فيها الجميع. لم يأت اجانب ولا مسلحون ولم يوزعوا سلاحا. الجثث التي كُشف عنها هي لجنود رفضوا الأوامر العسكرية'.
نشر أدونيس، أكبر شعراء سورية والذي اختار العيش جاليا، أول أمس 'دعوة' لبشار الاسد مضادة لأخيه ماهر: 'أعِد الى شعبنا كلمته، والكرامة والحياة'. ورد ماهر الاسد الذي استشاط غضبا على موجة الأنباء المنشورة السلبية بعزل المتحدثة الجديدة في دمشق. روجت ريم حداد الحسناء، المديرة العامة للتلفاز التي جُندت من اجل ان تعرض 'الوجه الايجابي' قصة عن مواطني المدن المكتظة جدا الذين قرروا الخروج لـ 'زيارات عائلية' الى تركيا. لم تنجح القصة وانتهت حياة حداد المهنية في أقل من اسبوع.
ماذا سيحدث في سورية اذا فقد بشار الحكم في نهاية الامر؟ هل يُعد شيوخ طائفة الأقلية العلوية وريثا يحافظ على الجدوى الاقتصادية من الربط بين المال والسلطة؟ هل أعلموا ماهر الاسد وخططوا لنقل سهل للسلطة داخل العائلة؟ وما الذي يعتقده آيات الله في طهران حلفاء سورية الوحيدون؟ وما هو أفضل لاسرائيل أبشار المتردد غير الناضج أم حرب طائفية في سورية يمكن أن تُظهر زعيما مسلما؟ يطير ما لا يحصى من السيناريوهات بين وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة واوروبا والعالم العربي وعندنا ايضا.
لا جدل في أن اسم ماهر الاسد يظهر بارزا باعتباره يعرف تولي زمام الامور بيديه وصيانة ولاء الجيش والاجهزة حتى لو ظهر الفساد هنا وهناك. لكنه ليس المرشح العلوي الوحيد. فهناك ضباط جيش كبار من أبناء الطائفة أبرزهم زوج الشقيقة آصف شوكت الذي يعض على نواجذه، وفي الاسبوع الماضي ظهرت أسماء اخرى من أبناء الطائفة مجهولة لقراء الصحف باعتبارهم مرشحين لاستلام الحكم.
لا يُثار اسم ماهر في مخيمات اللاجئين في اقليم الاسكندرونة في تركيا فقط. ففي الاسبوع الماضي اجتمع في اقليم أنطاليا نخبة من المعارضة السورية الجالية. ناقشوا مستقبل الحكم وكتبوا أكواما من أوراق التوصية للعالم الغربي ولا سيما الادارة في واشنطن داعين الى التدخل في سورية آخر الامر.
وكانوا ما يزالون يوصون عندما فتح ماهر جبهة مواجهات جديدة داخل سورية. فبعد درعا على الحدود مع الاردن وجسر الشغور في الحدود مع تركيا أُرسلت القوات لاغراق البلدات على طول الحدود مع العراق. من وجهة نظر ماهر يرى أنه يرسل الجنود والضباط مرة اخرى للقضاء على العصابات المسلحة. ومن كان يخاف على حياته في سورية فليجمع عائلته وحقائبه وليجتز الحدود ويهرب الى العراق.
التعليقات