علي حماده

كانت quot;جمعة الشيخ صالح العليquot; يوما مشهودا من ايام الثورة السورية في وجه النظام. فالقتل استمر لكن الانتفاضة توسعت وتمددت في الجغرافيا والأعداد الى درجة باتت سوريا بلدا يعجز النظام فيها عن حكمها. فالشعب في مكان والنظام في مكان آخر، ومن جمعة الى جمعة تكبر كرة الثلج التي لا يوقفها القتل ولا يحد منها نشر الجيوش بين المدنيين واقتحام المدن والقرى، ولا يضعف من عزيمة الثوار ان تحرق محاصيلهم، ولا ان تدمر منازلهم، ولا حتى ان يدفع آلاف من أهل سوريا الى طلب السلامة في تركيا المجاورة.
لقد خسر الرئيس السوري بشار الاسد كل رصيده. بدده بممارسة سياسة القمع والقتل في حق الابرياء في سوريا، واليوم ما عاد للنظام من صديق أو حليف في العالم. فالمجتمع الدولي موصدة ابوابه تماما، وروسيا والصين وضعتا سوريا على طاولة البازار مع الغرب قبل ان يتحوّل موقفهما. فمع مرور الوقت ومع تبين استحالة كسر شوكة الثورة في سوريا سيتحول الموقفان الروسي والصيني مدفوعين بالواقع على الارض، وبحزمات من المصالح المتبادلة مع الغرب ليصدر القرار تلو القرار في حق نظام يقتل شعبه من دون أن يرف له جفن. اما ايران فنافذة مقفلة منذ وقت بعيد على العالم الخارجي.
أكثر من ذلك، يكتشف الرئيس بشار الاسد أن العالم العربي مقفل هو الآخر وإن لم تصدر اعلانات رسمية. وفيما الاقتصاد السوري سائر الى الانهيار بخطى ثابتة لن يكون الخليجيون على موعد مع متطلبات النظام للبقاء اقتصادياً ومالياً. أما الجار التركي فقد انتقل الى الضفة التي منها يجهز نفسه للانطلاق الى دور أكثر قوة وفاعلية عندما تصل الامور بسرعة الى نقطة الخطر الكبير. ولذلك فإن الرئيس السوري يتوهّم أنه قادر على ربح السباق مع الوقت واحكام السيطرة على البلاد قبل أن يتدخل الخارج أكثر ليكون أي إصلاح مشروطاً ببقاء النظام وتجميله بجرعة اصلاحية شكلية كتلك التي أقرت حتى الآن من دون ان تغير في طبيعة التركيبة الحاكمة.
ومن أوهام الرئيس السوري وصحبه أن السيطرة على لبنان بواسطة quot;حكومة المطلوبينquot; برئاسة نجيب ميقاتي يمكن أن تمثل احدى الرافعات للنظام في معركة البقاء. ولكن الاسد الابن لا يعرف ان المطروح على الطاولة اليوم ليس الوصاية على لبنان بل مصير النظام برمته وبجدية متناهية. فنظرية أحدquot;عباقرةquot; النظام في سوريا التي اطلقت مع صدور القرار 1559، ومفادها ان quot;الخروج من بيروت معناه الخروج من دمشقquot;، لا يمكن تطبيقها معكوسة لأن العودة الى لبنان بواسطة حكومة ميقاتي ليست ذات جدوى، ولن تنقذ النظام من مصير محتوم حتى بلعب ورقة الامن في لبنان. لقد كانت قوة النظام الاساسية تكمن في قدرته على الامساك بالداخل والانطلاق منه لفرض وصايات في الخارج يعزز بها قوته داخليا وليس العكس. وفي مطلق الاحوال، ما من أحد في لبنان يملك القدرة على تعويم نظام غارق، فالاطراف المشاركون في الحكومة هم اصلا في حاجة الى من يبقي رؤوسهم فوق سطح الماء.