يوسف الكويليت

بين شرعية الدولة، ونقيضها نعرف أن معظم السلطات جاءت، إما على ظهر الدبابة، أو بواسطة ظروف اختلط فيها تزاوج المصالح بين القوى الخارجية والداخلية، ولذلك انعدمت الثقة مع الشعب لأسباب عديدة ومعروفة، ولعل ما يجري في سورية من حوار يخضع لتجربة جديدة، فالبعض يراه مناورة ذكية من الدولة لإحراج المتظاهرين، وإطفاء جذوة ثورتهم بلقاءات تبدأ صريحةً ضمن نقاط واضحة، وأيضاً وضع الاحتجاج الدولي أمام تحرك يقطع الطريق عليه بممارسة أي ضغط، لكن متحاوري الداخل ليسوا من السذاجة بحيث تمرَّر عليهم المواقف، إذ إن هناك شعوراً عاماً سائداً بأن ضعف السلطة وإخراجها من الأزمة هما الدافع الأساسي لقبول الحوار بشروط لم يكن يجرؤ على طرحها أي عامل داخل الحكومة مهما كان قربه من القيادة، غير أن ضمّ صوت السجناء ممن أمضوا سنوات طويلة في المعتقلات، ودمجهم في لقاءات الداخل ربما يُضعف قوة المعارضة، لأنهم شهود عصر، ومناضلون من أجل الحق العام..

معارضو الخارج رأوها تمثيلية بإخراج ساذج، مبررين تناقض المواقف بمعنى، كيف يتم مثل هذا الحوار في ظل إطلاق النار على المتظاهرين، وسجنهم ومحاكمتهم لذات الأسباب، وأنه بدون صوت عشرات الآلاف من المنفيين في العالم للأسباب ذاتها، تصبح المعارضة في الداخل بلا أذرعة وقوة مساندة؟

الحكم على النوايا أمر صعب، فالطرق وعرة جداً، ودولة قامت على القمع طيلة ثلث قرن، قد لا توفر المضامين التي تطالب بها المعارضة إلا تحت ضغط يرى الحلول في قبول الصوت الآخر، لأنه المخرج الوحيد للمحافظة على السلطة لفترة انتقالية، وضمان وحدة الوطن ضمن تشريعات ترفع شعار الوطن للجميع، أي الإقرار بالانتفاضة الشعبية، ورفع يد القوة الأمنية التي أُعطيت حق ممارسة الاعتداء على الحق الوطني دون مساءلة أو محاكمة، وتجريم رفع شعارات الطائفية والإقليمية، وبمعنى أشمل تساوي الجميع في الواجبات والحقوق، والخضوع لسلطة القانون لا شبه الأحكام العرفية التي جرت قبل الثورة..

ويبقى أمر مهم، وهو توحيد فصائل المعارضة الخارجية والداخلية، وإنشاء لجان مراقبة دولية على مسيرة الحوار من عناصر ترضاها الدولة والمعارضة معاً لتطفئ حالة الغليان، أولاً، ولا تفقد مصداقيتها وشفافيتها، ثم حمايتها من قبضة الدولة لو شعرت، لأي سبب، تغيير مسار الحوار بين كل الأطراف، أو التعلل بمخاطر المؤامرات الدولية، أو إسرائيل لتعطيله..

الطرفان الدولة والمعارضة، يدركان أن تحرّك الشارع لا يقف على اتفاقات غير عملية، لأن الرصيد الوطني الذي تضاعف في تأييد المتظاهرين بدأ يكبر، وسيكون المراقب الأهم في رفض أو قبول نتائج اللقاءات والحوارات، والتوصل إلى صيغة تلبي المطالب الشعبية..

هناك طرف ثالث أدى دوراً لا يمكن تغييبه، ونعني به القنوات الفضائية والوسائط الأخرى التي باشرت نقل ما يجري من قلب الحدث، ما جعل الإعلام الرسمي مجرد أضحوكة عجز عن أن يأخذ المبادرة، أو يؤثر في سياق الأحداث، وهي حالة انقلاب على سياسة البُعد الواحد في الإعلام الذي أفلس من أول شرارة بدأت بها الثورات العربية، ولازال يسجل خسائره..