أمير طاهري

laquo;لم يتنبأ أحد بوقوعهاraquo; ترددت هذه العبارة كثيرا من مسؤولين ومحللين أثناء زيارتي لواشنطن ونيويورك الأسبوع الماضي. تشير هذه العبارة، بطبيعة الحال، إلى سلسلة المظاهرات التي laquo;هزت العالم العربيraquo; خلال الأشهر الستة الماضية.

عدم توقع المسؤولين والمحللين الأوروبيين لهذه المظاهرات أمر متوقع. فلم يتوقعوا أيضا انهيار الإمبراطورية السوفياتية. ولكن ما يثير القلق في الوقت الراهن أن القوى الغربية، إضافة إلى اليابان، وهي الدول التي تمثل 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، ليس لديها أدنى فكرة عن كيفية الاستجابة للتغيرات التي تحدث في الشرق الأوسط، ناهيك عن المساعدة في تشكيل البنية الجيوستراتيجية الجديدة للمنطقة.

فالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس أوباما تنتهج سياسة الاتجاه المعكوس، التي يشجعها الانعزاليون الجدد داخل الحزب الجمهوري المعارض. ويقول أوباما، آملا استغلال الضجر من الحرب كسمة رئيسية في حملة إعادة انتخابه laquo;سنقوم بالتركيز على بناء الدولةraquo;.

ولكن المشكلة أن الولايات المتحدة ودول أوروبا لن تستطيع أن تظل واقفة طويلا في دور المتفرج على هذه التحولات الواضحة في الشرق الأوسط.

صحيح أن اعتمادهم على نفط المنطقة لم يعد كما كان في القرن الماضي، وأن نهاية الحرب الباردة أدت إلى أن يفقد الشرق الأوسط قيمته الجيوستراتيجية، وفزاعة laquo;تصدير إيران للإرهابraquo; لم تعد تخيف كما كانت عليه قبل عشر سنوات، حيث أصبح الملالي في إيران منعزلين ومنقسمين يتجادلون بغضب شديد، بينما لا يزال برنامجهم النووي قابعا في مكانه. ولكن يبقى تنظيم القاعدة، التوأم العربي للإرهاب الخميني، على الرغم من تكبده خسائر كبيرة على جميع المستويات، والأكثر أهمية من ذلك ما كشفته المظاهرات العربية من أنها أمر خطير غير ذي صلة، بالإضافة إلى كون تنظيم القاعدة لم يعد قادرا على استمرار تركيز الانتباه الغربي على الشرق الأوسط.

وعلى مدار العقود الستة أو السبعة الماضية كان الخوف من الاتحاد السوفياتي والنظام الخميني وتنظيم القاعدة أحد أسباب توجه الانتباه الغربي نحو المنطقة.

لكن هذا الخوف إما أنه زال أو تبدد إلى حد بعيد بزوال الخوف من التهديد السوفياتي، ومواجهة نظام الخميني خطرا محدقا من الممكن أن يؤدي إلى زواله في نهاية الأمر. أما بالنسبة لتنظيم القاعدة، فمن الواضح أنه ما من فرصة ليتمتع بنفوذ في أي مكان من العالم العربي.

ربما يحاول البعض جاهدا إيجاد مخاوف جديدة لاستمرار تركيز الانتباه الغربي نحو الشرق الأوسط، لذا تثير جماعة اليمين المتطرف المخاوف من laquo;الهجرة الجماعيةraquo; وlaquo;الاتجار في البشرraquo; في شمال أفريقيا، بينما تحذر جماعة اليسار المتطرف من laquo;حرب لا نهاية لهاraquo; في جنوب وشرق دول البحر المتوسط. ولكن من غير المحتمل أن تكون هذه المخاوف الجديدة، التي تعتمد على فلسفة شوبنهاور التشاؤمية، قوية بما فيه الكفاية لتشكل محور سياسة جديدة.

ولكن ماذا يمكن أن نقترح كبديل للخوف؟ إذا انتهجنا منهج الطبري، أبو المؤرخين الإسلاميين، سيكون الجشع بديلا جيدا. ولكن إذا ما قدمنا بحثنا في الميثولوجيا المسيحية كان البديل الأفضل هو الأمل.

على الرغم من ذلك لا يمكن أن يكون الأمل أو الجشع بديلا جيدا.

ماذا عن laquo;المصلحة الذاتية المستنيرةraquo;؟

إنني أتذكر الجدل القائم حول ما يجب عمله تجاه أوروبا الوسطى أو الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث اعتقد جورج بوش (الأب)، رئيس الولايات المتحدة، وفرانسوا ميتران، رئيس فرنسا، أن البلاد المحررة حديثا ستشكل عبئا مستقبليا في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة وأوروبا مرحلة أخرى من الركود العرضي. على الرغم من ذلك، وجد هيلموت كول، المستشار الألماني، أن الأمر كله بمثابة فرصة لإعادة توحيد ألمانيا وتحرير شرق ووسط أوروبا من الشيوعية.

وبفضل مثابرة كول، بدأت أوروبا مسارا سريعا نحو التعددية وسيادة القانون وتحديث الاقتصاد للدول المحررة حديثا. أليس من الواضح أنه خلال 25 عاما ستكون جميع الدول الأوروبية، فيما عدا أربع دول من الإمبراطورية السوفياتية المنحلة، أعضاء في الاتحاد الأوروبي؟ (والأربع دول هي: بيلاروسيا، ومولدافيا، وروسيا، وأوكرانيا).

وقد تبنى الاتحاد الأوروبي اتجاها مماثلا نحو جمهورية يوغوسلافيا سابقا، حيث جاء تفككها بعد حرب دامية لم تشهد مثلها أوروبا منذ 60 عاما، وتم الاعتراف بجمهوريتين من 6 جمهوريات من الاتحاد اليوغوسلافي كأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتجري مباحثات سريعة المسار لضم جمهوريتين أخريين للاتحاد الأوروبي.

ولا نقترح أن يعترف الاتحاد الأوروبي بدول الشرق الأوسط كأعضاء، وذلك لعدة أسباب لا يتسع لذكرها هذا العمود، ومن غير المحتمل أن يحدث هذا قريبا وفي أي وقت، كما يوضح المثال التركي.

ويدعي ويليام هيغ، وزير خارجية بريطانيا، أنه ما من دولة في الشرق الأوسط لديها laquo;ذاكرة ديمقراطية جماعيةraquo;، وأن ما حدث في وسط وشرق أوروبا لا يمكن أن يحدث هناك، ولم يذكر هيغ كيف نطور laquo;ذاكرةraquo; شيء قبل أن نعرف ما هو هذا الشيء.

على أي حال، ماذا تعني laquo;ذاكرة ديمقراطية جماعيةraquo;؟

ومتى كان للمجر أو رومانيا ndash; لنكتف بهذين المثالين فقط - مثل هذه الذاكرة؟ هل من الممكن أن يحدث هذا عندما كانوا يعانون لعقود من حكم الفاشيين ثم الشيوعيين. لدى تركيا نظام برلماني، وإن كان بعيدا عن الكمال، منذ العشرينات من القرن الماضي، وعقد أول برلمان في إيران عام 1906. وقبل أن يستولي الجيش على السلطة في الخمسينات من القرن الماضي طورت كل من مصر والعراق laquo;ذاكرة ديمقراطية جماعيةraquo; على مدار ثلاثة عقود.

ولكن دعني أعبر عن هذا بصورة أوضح، وهي أن عبارة هيغ تعني شيئا واحدا فقط، هو أن العرب غير مهيئين للحرية والرخاء! ولكن هناك معنى آخر أكثر وضوحا، وهو أن العرب لا يستحقون الحرية والرخاء!

وهذا ما كان كل طاغية يدعيه منذ الحجاج بن يوسف.

في عام 2001 عندما كنت أتناول فطوري مع هيلموت كول في باريس، قمت بسؤاله لماذا قرر أن يساعد الدول الأوروبية الشيوعية السابقة في الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي؟

قال laquo;لأنني كنت اعتقدت أنهم يريدون نفس الشيء الذي نريده. إنهم يريدون الحرية والأمن والرخاء، وهذا ما يريده كل إنسان، ومن الممكن أن نحققه معا وبصورة أفضلraquo;.

لم يقل كول لأنهم يتمتعون بـlaquo;ذاكرة ديمقراطية جماعيةraquo;.

تنطبق عبارة كول على العرب والأتراك والإيرانيين تماما كما انطبقت على شرق ووسط أوروبا قديما. وعلى الديمقراطيات الغربية أن تؤمن بأن شعوب الشرق الأوسط تريد ما يريده كل إنسان.