عصام نعمان

حبس اللبنانيون أنفاسهم في انتظار بيان وقرار . البيان هو البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي الجديدة . القرار هو القرار الاتهامي للمدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال بلمار في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري .

البيان الوزاري محكوم بمهلة، إذ على الحكومة، بموجب المادة 64 من الدستور، أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها . الحكومة تشكّلت في 13/6/،2011 فيكون تاريخ انتهاء المهلة في 13 الشهر الجاري .

لا مهلة قاطعة لإصدار القرار الاتهامي . فالمدعي العام بلمار ملزم بأن يتقدم بقراره الاتهامي من قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الذي له في مهلة أقصاها شهران أن يرد القرار المذكور أو أن يصادق عليه، فيصار إلى إعلانه .

بلمار كان سرّب معلومات مفادها أنه لا ينوي إجراء تعديلات على النسخة الأخيرة لقراره الاتهامي . على هذا الأساس، بات فرانسين ملزماً بأن يصادق على القرار أو أن يبدي ملاحظات جديدة بشأنه قبل نهاية الشهر الماضي .

قوى المعارضة (14 آذار) سرّبت من باريس مطلع الأسبوع الماضي معلومات مفادها أن مراجع في المحكمة الدولية أكدت لها أن فرانسين سيصادق على القرار الاتهامي خلال بضعة أيام، لكنه لن يعلنه، بل سيبلغه إلى الحكومة اللبنانية كي تقوم بتنفيذ ما يتضمنه من إجراءات .

المحكمة الدولية كانت عند حسن ظن قوى 14 آذار، إذ حضر وفد منها إلى بيروت وقام بتسليم المدعي العام لدى محكمة التمييز سعيد ميرزا يوم الخميس الماضي نسخةً عن القرار الاتهامي، يتضمن طلب ملاحقة أربعة أشخاص ترددت أسماؤهم كثيراً في صحف أوروبا ولبنان خلال الأشهر ال 24 الماضية، كانت وصفتهم بأنهم أعضاء في حزب الله، وأنهم ضالعون في جريمة اغتيال الحريري .

لعل أهم من مضمون القرار الاتهامي تداعياته، إذ كيف سيتصرف ميقاتي حيال اتهام أعضاء في حزبٍ مشارك في حكومته؟

ميقاتي سارع إلى إصدار بيان أكد فيه حرص الحكومة على معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، من دون أن يتطرق البتة إلى مضمون القرار الاتهامي، آخذاً في الحسبان مواقف شركائه في الحكومة من المحكمة الدولية قبل أن يتفقوا على مضمون البيان الوزاري .

الواقع أن لشركاء ميقاتي آراء مختلفة في شأن ما كان يجب أن يتضمنه البيان الوزاري عشية صدور القرار الاتهامي . بعضهم، كالعماد ميشال عون، دعا إلى إغفال ذكر المحكمة في البيان، لأن ذلك لن يوقف عملها . بعضهم الآخر، كرئيس مجلس النواب نبيه بري، اكتفى بالتحذير من أن تخطي مهلة انجاز البيان الوزاري يؤدي إلى اعتبار الحكومة مستقيلة، وبالتالي تحويلها إلى حكومة تصريف أعمال . حزب الله، خلافاً لرأي وليد جنبلاط، رفض تضمين البيان الوزاري نصاً يتضمن التزام المحكمة واحترام القرارات الدولية المتعلقة بها، ودعا إلى التشديد على ضرورة صون الاستقرار الداخلي . ذلك أنه يشعر، كالعماد عون وغيره من القوى الوطنية داخل البرلمان وخارجه، بأن المحكمة باتت مسيّسة، وأن قرارها سيكون له وظيفة في مخطط تأجيج الوضع السياسي المضطرب في لبنان وسوريا لمصلحة دول أمريكا وأوروبا المعادية لقوى الممانعة والمقاومة .

ميقاتي هو الأكثر حرجاً بين الأطراف الذين تتألف منهم الحكومة . فهو لا يريد أن يظهر بمظهر المتهاون بشأن المحكمة كي لا يستفز رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي ينازعه زعامة أهل السنّة والجماعة من جهة، ولا يريد من جهة أخرى أن يبدو متهاوناً بشأن استخدام المحكمة وقرارها الاتهامي للنيل من حزب الله وسوريا .

الحقيقة أن الأهم من مضمون البيان الوزاري ومضمون القرار الاتهامي هو تداعيات القرار الأخير وانعكاسه على الوضع السياسي المضطرب في لبنان وسوريا . ذلك أن معلومات تسربت إلى القوى المشاركة في حكومة ميقاتي مفادها أن قوى 14 آذار، ولا سيما حزب الحريري، قد عقدت اجتماعاً تخطيطياً في باريس، وقررت خلاله تنفيذ خطة مبرمجة لإسقاط الحكومة تحاكي النهج الذي اعتمدته قوى المعارضة السورية من حيث تنظيم التظاهرات في الشوارع والساحات العامة، والاعتصامات في المساجد وسائر الأمكنة الدينية، وإعلان التأييد والدعم للتظاهرات والمتظاهرين المعادين لنظام البعث في سوريا، وتكفير القوى والشخصيات السياسية التي تؤيده، وتعبئة العلماء والحركات الإسلامية ضد سوريا وحلفائها في لبنان، ومقاطعة جلسة الثقة بالحكومة في مجلس النواب، واتهام الحكومة ب ldquo;التواطؤrdquo; مع حزب الله من أجل إخفاء أعضائه المتهمين بموجب القرار الاتهامي باغتيال الحريري الأب لجعل محاكمتهم متعذرة .

القوى المشاركة في الحكومة استهولت خطة المعارضة وأجمعت على رؤيتها في منظور محلي وإقليمي معاً، أي كجزء من مخطط أطلسي يرمي في رأيها إلى إضعاف سوريا وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، وافتعال أجواء اقتتال مذهبي في المنطقة من أجل التمديد لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق، ولتطويق مفاعيل المصالحة الفلسطينية محلياً وإقليمياً ودولياً .

بصرف النظر عن مدى جدية المخطط المنسوب إلى قوى المعارضة اللبنانية، فإن ثمة توافقاً في الوسط السياسي على أن تقدّم مساعي التهدئة والانتقال إلى الحوار بين النظام والمعارضة في سوريا، من شأنها تنفيس الاحتقان النفسي والسياسي السائد في لبنان حالياً .

صدور القرار الاتهامي يضع لبنان مجدداً على مفترق طرق . لا أحد يعرف أي طريق سيُدفع لبنان إلى سلوكها بفعل القوى الإقليمية والدولية التي عادت إلى الاصطراع فيه وعليه .