ادمون صعب

laquo;أمة قد فَتّ في ساعدها بُغضها الأهل وحب الغرباraquo;
حافظ ابراهيم

لا يزال laquo;رادارraquo; النائب وليد جنبلاط الأكثر حساسية ودقة في التقاط الإشارات، سواء المحلية منها والخارجية.
وجنبلاط المسكون بالمخاوف والهواجس التي أورثته إياها التجارب السياسية في العقود الأربعة الماضية، يضاف إليها مخزون الذاكرة الجماعية لدى الطائفة التي ينتمي إليها... هذا الجنبلاط قرأ في الجريمة الوحشية التي ارتكبها الإرهابي النروجي اندرس برييفيك وذهب ضحيتها أكثر من سبعين شخصاً، إنذاراً إلى اللبنانيين وبعض العرب بوجوب laquo;الانفتاح والحوار والقبول بالآخرraquo;، وهي الكلمات المفاتيح التي يبحث عنها اللبنانيون من اجل إيجاد حلول laquo;لملفات شائكة وصعبة، تستوجب نقاشاً يطمئن مختلف الأطراف، ويبدد الهواجس التي أصبحت متجذرة لدى قسم من اللبنانيينraquo;. على ما يقول جنبلاط.
وهو إذ لفت إلى ان laquo;التزمُّت يمكن ان يؤدي إلى كوارثraquo;، دعا إلى معاودة الحوار الوطني في لبنان باعتباره صمام أمان للاستقرار والوحدة الوطنية. كما دعا قادة بعض الأنظمة العربية إلى اخذ laquo;العبرة من مأساة النروج وتحقيق الإصلاح السياسي بدل الاستمرار في التصدي العنفي للمطالب الشعبية المحقةraquo;.
وسرعان ما أدركت بعض الأوساط اللبنانية صحة أحاسيس جنبلاط ومخاوفه، ووجدت نفسها امام إرهابي مسيحي متصهين، لم يكتم تأييده لإسرائيل وكرهه للعرب والمسلمين. عندما نشرت laquo;السفيرraquo; مقاطع من كتاب أعده برييفيك وخصص فيه أجزاء لمسيحيي لبنان الذين تعرضوا كما يقول laquo;لغزوات تشنها أمة الإسلام العالميةraquo;، كما لاحظت وجود تشابه بين أفكاره وأيديولوجيات المسيحيين المتصهينين في الولايات المتحدة الذين يعتبرون ان المسيح بن مريم laquo;دجّالraquo;، وأن الدولة اليهودية في فلسطين، بقيادة
اليمين المتطرف، ستعيد بناء الهيكل استعداداً لمجيء laquo;المسيح المنتظرraquo;.
وعندما يتحدث سفاح أوسلو عن laquo;سقوط الدولة المسيحية في لبنانraquo;، فإنما يعيد تذكيرنا بالمشروع المشبوه الذي رمى إلى تجميع الأقليات في لبنان من اجل إقامة laquo;دولة للمسيحيين ومن شاء من الآخرينraquo;، على ما كان يردد الشيخ بشير الجميل وهي الدولة التي وصفها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بأنها ستكون أخطر من دولة إسرائيل لأنها ستحظى بعطف العالم الغربي عليها، لأنها ستكون في نظره نتيجة laquo;القهر والاضطهاد الدينيraquo; غير الموجودين أساساً.
وكانت laquo;حرب الجبلraquo; في العام 1983 الهاوية التي سقط فيها مشروع هذه الدولة، وقد دفع الإسرائيليون، laquo;أولاد عمraquo; برييفيك الذين كانوا اجتاحوا لبنان في حزيران 1982، بمقاتلي الميليشيا، إلى هذه الهاوية، بغية laquo;تنظيفraquo; المعقل الأخير المختلط على خريطة تلك الدولة وكان ذلك عقاباً من الإسرائيليين لهؤلاء المسيحيين جراء امتناعهم عن توقيع معاهدة سلام معهم، بعد إيصال قائد الميليشيا المسيحية آنذاك الشيخ بشير الجميل إلى رئاسة الدولة، في ظل الحراب الإسرائيلية.
ونحن اذ نرى ان العبرة يجب ان يستخلصها جميع الرافضين للحوار الوطني، بوضعهم شرطاً تعجيزياً للمشاركة هو نزع سلاح laquo;حزب اللهraquo; وفرضهم نتائج مسبقة لموضوع السلاح، وقد أظهر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أول من أمس مدى الحاجة إليه في النزاع النفطي المستجد مع إسرائيل، ووقوفه وراء الدولة في هذا المجال فإننا نلاحظ ان جنبلاط ربما قصد الفريق المسيحي في 14 آذار أكثر من سواه، لأن هذا الفريق كان استجاب، اثناء حرب تموز 2006، لدعوة أميركية بالتصويب على laquo;حزب اللهraquo; وسلاحه، وإبقاء laquo;الفريق الأزرقraquo; في الظل، تحاشياً للوقوع في فتنة سنية ـ شيعية. وهذا laquo;الإرشادraquo; لم يكن سرياً بل نشر وزود زعيم laquo;الأزرقraquo; نسخة عنه.
وبحسب خبرة جنبلاط مع بعض الأطراف فإن laquo;التزمت قد يجعل البعض من هؤلاء يتصرفون بشكل جنوني وإرهابي وعنفي، وأن يتسببوا بالمآسي للآخرينraquo;.
واليوم يدرك مسيحيون كثيرون، في 14 و8 آذار، ان فكرة laquo;الدولة المسيحيةraquo; كانت مشروعاً انتحارياً غير قابل للحياة. وأن المشروع الواقعي هو الذي أوصى به laquo;الإرشاد الرسوليraquo; عام 1997، والذي يقوم على تعزيز العيش المشترك، والتعاطف مع قضايا العرب ولا سيما القضية الفلسطينية، وعدم التنكر للعروبة، لان المسيحيين عرب قبل سواهم، وقد سبقوا المسلمين إلى هذا النسب.
وإذ حذّر جنبلاط المسيحيين، من دون ان يسميهم من التزمت وتالياً من استعمالهم رأس حربة في الصراع السياسي بين laquo;تيار المستقبلraquo; وlaquo;حزب اللهraquo;، لفتت الباحثة الفرنسية في مركز الدراسات والبحوث الدولية في باريس اليزابيت بيكار، إلى انه laquo;في منعطفات السبعينيات كان الدخول في العصرنة السياسية المميزة بتقويم الفرد وبداية تحريره من النظام الطائفي، يوفر للمسيحيين الفرصة لكي يعوضوا انخفاضهم الديموغرافي، مظهرين جدارتهم، وحتى تفوقهم، في مجتمع مواطنين، أكثر مساواة، وأكثر أهلية للتقدير. وبدلا من ذلك، أصبح هذا التوقع بعيداً بعد حرب دامت 15 سنة، ومعاقل طائفية دعم بعضها بعضاً.
ولئن قدم الاطار الطائفي المناصفة إلى المسيحيين بما يوفر لهم الطمأنينة التي يصبون إليها، فهو رسم أيضاً حدود مشاركتهم في المجال الوطنيraquo;.
فهل يتجاوز المسيحيون الانقسام الحاد الذي تشهده البلاد، لقيادة laquo;العصرنة السياسية المميزةraquo; التي تحدثت عنها بيكار، في اتجاه دولة متحررة من الطائفية، تفسح للمسيحيين مجال إظهار جدارتهم بل تفوقهم على ما أشارت الباحثة الفرنسية؟