ياسر أبو هلالة


يقاتل الإسرائيليون في كل الدوائر بضراوة من أجل بقاء نظام بشار الأسد. ليس لأنه عميل للصهيونية العالمية، بل لأنه الأقل سوءا بالنسبة إليهم. لا يحمل نظام الأسد، أبا وابنا، لا مشاعر ولا مواقف إيجابية تجاه الصهيونية. ولكن في لحظة معينة غدا النظام الديكتاتوري الأفضل بالنسبة لدولة الاحتلال. فالهاجس الأول هو البقاء في السلطة، ولو تطلب الأمر نسيان الجولان. هذا ينطبق على أي ديكتاتورية، ولو ولدت من حركة تحرر. حتى quot;حماسquot; إن استمر الوضع كما هو اليوم لسنوات فستكون quot;فتحquot; أخرى وحزب بعث آخر، تنسى صراعها مع العدو وتتحول إلى سلطة تتضخم فيها الأجهزة ويتحول المواطن إلى عدو.
في الجزائر نموذج أوضح. تحول جيش التحرير الوطني الذي توج نضالات المجاهدين بهزيمة الاستعمار الفرنسي إلى وكر للتسلط والاستبداد والفساد. الاستثناء كان تركيا. فالجيش الذي وحد وحرر وبنى تركيا الحديثة عاد إلى الثكنات. لم يعد كرم أخلاق منه، بل بعد عقود من الصراع الذي دفع فيه أحرار تركيا من الاتجاهات كافة، ثمنا غاليا لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وهدم الكهنوت العلماني العسكرتاري.
لم يكن الإسلاميون وحدهم من تصدى لهيمنة الجيش على الفضاء العام في تركيا. لقد دفع عدنان مندريس رئيس الوزراء المنتخب حياته في انقلاب عسكري؛ كان علمانيا ليبراليا وهو الذي صنع مكانة تركيا في حلف quot;الناتوquot;، لكن سماحه بالمظاهر الإسلامية دفع الجنرالات إلى إعدامه بتهمة quot;قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينيةquot;. وفي غضون الحرب الباردة دفع اليسار التركي أثمانا باهظة في مواجهة الجيش. لكن لا شك أن المواجهة الأقسى كانت مع الإسلاميين، فلم يهنأ نجم الدين أربكان بحزب شكّله، وعندما وصل لرئاسة الوزراء لم يستمر طويلا إثر انقلاب أبيض. ورجب طيب أردوغان واحد من ضحايا العسكر الذي سُجن وحُرم من العمل السياسي لسنوات.
هيمن الجيش على الفضاء العام في تركيا، لكنه شريك أساسي في بناء تركيا الحديثة من خلال صياغة الهوية الوطنية الجامعة والانخراط في التنمية. في تركيا يغادر الشاب لأداء الخدمة العسكرية باحتفال أسري. فالجيش لم يحافظ على وحدة تركيا وحماها، بل احتل الجزء التركي من قبرص. وهنا يبرز الفرق بين الجيش السوري الذي احتلت البلاد في عهده ولم يتمكن لا من إعادة الجولان ولا لواء الإسكندرون. وبدلا من بناء الجيش هوية وطنية، مزق الميراث العروبي للبلاد بسطوة طائفية منفرة لأقرب حلفائه.
وفي الوقت الذي يترك الجيش السوري دوره الأساسي في تحرير البلاد وحمايتها، وينخرط في صراع طائفي دفاعا عن سلطة مستبدة فاسدة، يعود الجيش التركي إلى ثكناته، والبلاد في أوج نجاحها الاقتصادي والسياسي. وهو أمر أثار رعب إسرائيل.
رئيس الأركان الجديد نجدت أوزال سيكون، بحسب تحليل للحياة اللندنية quot;عوناً لحكومة أردوغان في إعادة هيكلة الجيش والتخلّص من quot;الأتاتوركيينquot; المتطرفين أو الانقلابيين في صفوفه، ومساندة الإصلاحات السياسية، وفي مقدمها صوغ دستور جديد، تسعى الحكومة من خلاله إلى لجم الجيش وربط رئاسة الأركان بوزارة الدفاع وفرض قوانين أكثر صرامة لمراقبة إنفاقه وتطوير قدراته بشكل كبير، حتى من خلال تقصير فترة التجنيد الإجباري والعمل على تحويل الجيش قوة من المحترفين، مع تقليص العدد الضخم للجنرالات وصلاحياتهم الماليةquot;.
في غضون ذلك، أوردت صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; أن المسؤولين الإسرائيليين quot;يتابعون بقلق بالغquot; مسألةَ استقالة قادة الجيش التركي. ونقلت عن مسؤول قوله: quot;هذه الخطوة تصبّ في مصلحة المتطرفين الإسلاميين وأردوغان. الأمر مقلق، إذ يعني سقوط آخر حصن ضد الإسلامquot;.