حسان حيدر
ثمة اسئلة كثيرة عن حقيقة الموقف الاميركي مما يجري في سورية، وعن اسباب تلكؤ واشنطن في دعوة بشار الأسد الى التنحي رغم تصاعد حملة القمع الدامية في مختلف المدن. ومع ان ادارة باراك أوباما تقدم بعض الاجابات على هذه التساؤلات، لكنها تظل مبهمة ومقتضبة وغير قادرة على الاقناع بصوابية المقاربة المعتمدة للوضع السوري، الذي يبدو انه وصل الى طريق مسدود بالنسبة إلى النظام وإلى المعارضة على السواء.
فالحكم في دمشق، الذي اختار الحل الأمني ثم تراجع قليلاً محاولاً كسب الوقت بالحديث عن اصلاحات، عاد فحسم امره في معركة حماة وتخطى نقطة اللاعودة في المواجهة، باعثاً برسائل في كل الاتجاهات بأنه مستعد للمضي في حمام الدم الى آخره اذا بقي العالم مصرّاً على تغييره.
اما المعارضة، التي يشبِّهها ديبلوماسي اميركي بأنها laquo;مثل نهر يجري من دون توقف، لكن ليس هناك من يقوم باستغلال مياهه او يولد منه الطاقةraquo;، فلا تملك سوى الصمود أمام الخلل الكبير في ميزان القوى مع النظام، الذي يمتلك اجهزة امنية متمرسة في القمع، والرهان على عامل الوقت، بأمل حصول تصدع في صفوف الجيش لا يزال من الصعب توقعه.
والأميركيون الذين فهموا الرسالة السورية، لم يردوا عليها بالمستوى المطلوب، وظلت مواقفهم وانتقاداتهم دون التوقعات، متذرعين بالخشية من laquo;المجهولraquo; الذي سيحمله سقوط النظام، ومكتفين بالتلويح بتشديد العقوبات وتوسيعها لتطال مجالات اقتصادية يعرفون تماماً انها قادرة على تركيع النظام لانها تحرمه من ادوات تمويل اجهزته، لكنهم يتوقفون دونها، وهم لذلك سربوا معلومات عن مساعدات ايرانية بالبلايين فيما طهران بالكاد تكفي ذاتها.
لكن ما هو laquo;المجهولraquo; الذي يخافه الاميركيون؟
خلال الاجتماع الذي حصل بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وبعض ممثلي المعارضة السورية المقيمين في الولايات المتحدة، كان السؤال الأهم الذي لم يطرح، يتناول التموضع الاقليمي والموقف من اسرائيل في حال تغيير النظام في دمشق. لا الوزيرة وجَّهت السؤال ولا المعارضون تناولوا الموضوع، وبقي الحديث يدور عن توحيد المعارضة وتوضيح مطالبها وعن صعوبة ايجاد واشنطن وسائل ضغط مناسبة على نظام الاسد في ظل الحماية الروسية له.
كلينتون لم تسمع الكلمة-المفتاح التي تتيح لإدارتها تبرير الانتقال النوعي من مجرد انتقاد القمع ودعوات الاصلاح الى مطالبة الاسد بالرحيل، والمعارضة السورية -او عدد كبير من مكوناتها- لا تملك التصرف بهذه المسألة الشائكة وحدها، ذلك ان احد الانتقادات الرئيسية التي يوجهها المعارضون الى نظام الاسد، هو انه استخدم الممانعة شعاراً زائفاً للتفريط بالأرض وإقامة سلام غير معلن مع اسرائيل، فكيف يستطيعون ان يقدموا سلفاً تنازلات الى الاميركيين ويتحدثون عن السلام طالما ان أرضاً سورية لا تزال محتلة؟
التجارب العربية السابقة كانت مضمونة بالنسبة الى واشنطن، فتونس وليبيا بعيدتان عن خط المواجهة، وتيارات المعارضة المصرية أكدت جميعها التزامها معاهدة السلام مع اسرائيل، أما سورية، فقد يؤدي التغيير فيها -وفق مخاوف واشنطن- الى احياء جبهة الجولان، على رغم ان المعارضة ستكون مشغولة لسنوات طويلة بإعادة بناء المجتمع المدني والإحلال التدريجي للديموقراطية بعد اربعة عقود من التسلط.
وإلى ان تستطيع اطراف المعارضة السورية الاتفاق على رؤية موحدة لموقع دمشق ودورها الاقليميين، ستظل المواقف الاميركية من نظام الأسد مائعة وضبابية، ما لم يحصل تغيير من الداخل السوري يجبرها على الوضوح.
التعليقات