يوسف الكويليت

فمع سورية بدأت بعلاقات حميمة وصلت إلى إلغاء التأشيرات وفتح الحدود، ورسم استراتيجية طويلة لحلولٍ اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، لكن الانتفاضة الشعبية في سورية وضعت تركيا في مواجهة مع حكومة الأسد، أي أن الدبلوماسية المرنة التي استعملتها فقدت قيمتها ما استدعاها لأنْ تكون لهجتها أشبه بالتهديد العلني، وقد يتعدى الكلام إلى الفعل العسكري إذا ما وجدت نفسها أمام صدام بواسطة كثافة اللاجئين السوريين، وبموقفها الجديد تريد جني العديد من المكاسب المعنوية والسياسية كفرصة قد لاتتكرر..

فهي تريد أن تثبت لأوروبا وأمريكا بأنها عمقٌ في محيطها الإسلامي السني، وأن سورية هي طريق عبورها للمنطقة عندما انحازت مع الشعب ضد السلطة القمعية والتي تسربلت بثوب الطائفية، وحاولت أن تبرز أن الشعب هو المعتدي على القوى العسكرية والأمنية، وهي مقولة أُفرغت من معناها أمام المشاهد التي تُنقل حية من أحياء ومدن القرى السورية والصور الدموية التي فاقت التصور..

الأمر الثاني أنها استشعرت الخطر الإيراني بوقوفه مع الحكم السوري ضد مواطنيه، وهي لعبة تتجاوز المصالح الآنية إلى خطط المستقبل، أي أن ما قيل عن هلال شيعي يطوّق المنطقة يجب أن يواجَه بحزام سني يحيط بإيران، وقطعاً قد تجد دول الأطلسي ضرورة الوقوف مع تركيا حتى لو تباينت مواقفها معهم لأنها النموذج الوحيد الذي يعطل تنامي الإسلام المتطرف، والذي أصبح فزاعة حاول الرؤساء في تونس، ومصر واليمن وليبيا وحالياً في سورية اعتباره البديل عن حكوماتهم، ويأتي الجانب الإسرائيلي أكثر تعاطفاً مع الموقف التركي، لأن الجزم بزوال الحكم الراهن يفترض وجود تركي يعوض أي انزلاق نحو عدم الاستقرار في سورية، والذي قد يعرضها لمواقف أكثر خطورة على أمنها..

سورية، في وضعها الراهن، أمام ثلاث قوى إقليمية، كل منها ينظر للموقف من زاويته الخاصة، وهي اعتبارات عصفت بخطط إيران لكنها لاتزال تعتقد بتحجيم الثورة والقضاء عليها، بينما إسرائيل تراقب، وربما تدخل المعركة من خلال بوابات كثيرة فتحت لها عن طريق تغذية الطائفية والنعرات القبلية والقومية لشغل سورية بنفسها، وتبقى تركيا هي المعنية أكثر بالموقف، فهناك رضا تام عربياً منها، وتأييدٌ مفتوح من حلفائها الغربيين، وخوفٌ من إيران بأن تكون البديل للأكثرية السنية والتي بدورها أعلنت عداءها من داخل سورية لإيران وحزب الله والمتحالفين معهما في لبنان أو شيعة العراق والخليج..

مع ذلك هناك رؤية أخرى مخالفة، أي أن التطلعات التركية تبعث الخشية من قبل الأوروبيين بأن تذهب، برؤيتها، إلى حشد قوة شبه عثمانية أمامهم، وحتى لو كان الإسلام المعتدل هو الأساس الذي يقوم عليه أي تكتل يمتد لعالم كبير، فإن ظهور مثل هذه القوة لا يخدم المصالح الغربية على المدى البعيد، وهذا الشك تثيره أكثر من جهة، حتى إسرائيل تراه شيئاً غير مقبول أن يأتي طوق إسلامي يغير المعادلات السائدة كلها في المنطقة وخارجها..