يوسف الكويليت

فإيران اعتبر قادتها أنها المعلّم للثورات العربية عندما بدأت بتونس ومصر ثم لحقتهما ليبيا واليمن، لكن عندما تحرك الشارع السوري ليلتقي بثوراته العربية، صار ذلك في نظرها مؤامرة صهيونية - أمريكية! وهي أسطوانة عزف عنها عقلاء العرب، وصارت فزاعة ترفعها إيران الدولة قبل الثورة، وإذا ما افترضنا أن ما يجري في سورية هو عمل خارجي بدعم من عملاءٍ ودول تعادي دمشق، فالأمر ينطبق على ثورة الخميني الذي حملته وآوته فرنسا، ورفضت أمريكا علاج الشاه أو قبوله لاجئاً، أي أن هناك تواطؤاً دولياً مع الثورة وقادتها، وبالتالي فهي حصيلة عمل الأعداء الموسومين بالتآمر!!

لايوجد في عالمنا من ينتظر المعجزة من الإمام الغائب ليخرج من السرداب ويحكم العالم ويجعل قم العاصمة الروحية والسياسية للبشرية ليحقق الوعد الإلهي، ولا أحد يمنع المهديين أن يقتنعوا بهذا المعتقد، لكن أن يذهب التفكير بهم إلى اعتبار الثورات العربية جاءت من بشرى الإمام، فلماذا لا تشمل سورية باعتبارها جزءاً من عالم افتراضي سيحكمه وفق الوعد المنتظر؟

خوف إيران من فقدان الحليف ينسف أحلام الإمبراطورية الفارسية، ولعل صورتها التي خدعت المواطنين العرب بعد ثورتها، أثبت استطلاع أخير أنها جسم مكروه، وأن سياساتها عدوانية توسعية، وقد جاء هذا الأمر قبل أن تعلن صراحة دعمها المادي والعسكري لسورية الدولة وليس الشعب، ثم إن الرأي العام السوري بات يعلن صراحة عداءه لإيران وحزب الله معاً، ولعل ازدواجية المواقف بوجه يُظهر إيران حاملة لواء الثورات والرافضة لدولة أو دول الاستكبار العالمي، ثم تظهر بلباس العداء للشعب السوري، كشفت عن عورتها بشكل مضرّ لها..

الثورات العربية لم تتسلّف أفكار الخميني وإرشادات المرشد الأعلى، أو أوهام نجاد بالمهدي القادم للعالم، وإنما هي نتاج واقع عربي في مضمونها وتفكيرها وأسلوب عملها وانطلاقتها، لأن ما فاجأ العالم بسرعتها ونجاحها لم تكن إيران هي من علم وخطط حتى تريد سرقة حق الآخر، والمهم أن طبيعة هذه الثورات سلمية وشابة لم تتتلمذ على أي حزب، أو ترفع أي شعار لليمين واليسار، أو التطرف أو الوسطية، بل جاءت من حوافز إيقاع التاريخ المعاصر بدوراته المتسارعة.

الأزمة التي تتحرك في حزام الشيعة العرب عودة المرجعية لهم لأن إيران سلبت حقاً تقليدياً، والخوف من هذا الاتجاه أن تفقد المرجعية الفارسية هيمنتها وجعل قم بديلاً عن النجف وكربلاء، وهي دعوة بدأت مع مراجع الشيعة في لبنان، وتضامن معها شيعة العراق والخليج، في وقت تعارض إيران هذا الاتجاه لأنه سيضعها مجرد دولة شيعية بتقاليدها ونفوذها المهيمن على الداخل فقط..

أما بقية المنتمين للمذهب فهم يرون أن عالميته تأتي من رحمه العربي الأصيل، وإذا ما أضيفت هذه الدعوة إلى مواجهات منتظرة على أكثر من اتجاه، فإن إيران إذا لم تراجع مواقفها وأحلامها، فهي الخاسر الأكبر في عالم يحاصرها سياسياً ودينياً..

العلاقات الدولية تتعامل بالمصالح، وهي مسألة محسومة بالمبادئ السياسية العامة، ومن هذا النمط من العلاقات الصلة الحميمة التي تجاوزت الأعراف العامة إلى تنسيق السياسات والتحالفات وفق مبدأ الطائفة الذي جعل الوطن مجرد دكان لبيع صكوك المبادئ وأخلاقياتها عندما تمت المصاهرة بين دمشق وطهران، ثم حزب الله اللبناني الذي صرح قادته في العديد من المناسبات أن لبنان هو امتداد لبلد الولي الفقيه ..