سمير عطا الله
ظن في البداية أن هذا بلد، وأنه بلده هو، فأحبه. وحلم بأن يدافع عنه. وأن يبعد عنه معالم الاستباحة الأجنبية. ورأى كل من حوله فقراء، فأراد لهم ألا يكونوا فقراء. وجمع من حوله أصحابه ورفاقه. وقال لهم فلنجمع السلاح ونقاتل. لكن الرجل العجوز الطيب صاحب البلد وراعي الاستقلال ومؤسس الوحدة، لم يكن يحب القتال. كان يحب الصلاة والناس ووحدة الأرض. فقال له خذ ما تشاء، لكن لا تحطم الإناء. خذ. واترك لي الصلاة والصوم وذكرى الرجال الذين بنوا معي الدولة طوبة طوبة، يوم الأرض سطحها فقر وباطنها قفر.
سمع كلمة طوبة فظن أن الوطن لعبة من الطوب. تعجنها وتلويها وتعطيها الأشكال التي تريد. طرب للفكرة ودعا الرفاق إلى أن يخترعوا معا أشكالا جديدة للطين. وذات يوم فكر في أن يجعل من الطين تمثالا لنفسه، ففعل، فرأى أمامه تمثالا لينا فأعجب به. ثم راح يضخمه كل يوم حتى رأى نفسه أمام صنم كبير، فعبده. ثم راح يزينه كل يوم بشيء جديد. ووضع بين يديه كتابا وأخذ يقرأ منه. وصدق أن الصنم إلهام وطقوس فصنع منه نسخا وزعها على المدن والساحات. وكان يرسل عسسه في الليل لحراسة النصب وتفقدها والتأكد من أن الناس تخضع لدى المرور بها.
خافت الناس على الأرض، على قاعدة الصنم، فتظاهرت بالجاهلية. أساء الصنم تفسير المواطن كما أساء تفسير الوطن، فراح يصنع تماثيله من ذهب ونسي أن الطوب تراب. وأعماه وهج الذهب فراح ينفث النار والشرر لكي يزرع في الناس الرعب. لا شيء إلا الرعب. وعندما خطر أن يرثه في الأرض ورثة جعلهم جميعا من ذهب، يلمعون ولا يعقلون ولا يشعرون ولا يرون من حولهم سوى بشر عليها أن تسجد إذا مرت بتمثال أو مر بها في موكب من ثلاثمائة عربة.
عندما سئم الراكعون بلادة المسخرة قرروا أن يرفعوا رؤوسهم من جديد. أن يستعيدوا منه الأرض. أصابه مس هائل: من يجرؤ على انتزاع الدمية منه؟ من سيحرمه متعة طيها وتلوينها ومحاكاتها والتحدث من خلفها مثل الدمى المتحركة. من. من أنتم؟! من أنتم؟! أنا الأرض. أنا الوطن. أنا التاريخ. أنا المستقبل. هذه دميتي يا جرذان. انظروا الأشكال التي ابتدعتها لها. تذكروا كم مرة قلبتها بين يدي. كيف تجرؤون على لمس أطراف ثيابي؟ من علمكم أن الرؤوس ترفع؟ لماذا خنتم الصنم؟ لماذا تبتعدون؟ لماذا انفجر فيكم الملل؟ لماذا تفجرت فيكم الحقيقة؟ من أنتم؟
التعليقات