نادين هاني ومحمد حسين المومني : حفرة القذافي وملياراته

ليبيا ما بعد الثورة ... من سيرث المليارات؟
نادين هاني
النهار اللبنانية
ليبيا اغنى دولة افريقية، لكنها كالصندوق الاسود، حجم ثرواتها غير معروف، ولا مكان استثمارها ولا تقسيم ملكياتها. لم يكن يوما دور المؤسسات مفعلا، لم تكن الحدود واضحة بين ما هو ملك للدولة وما هو ملك لعائلة القذافي.
صادف لقائي هذا الاسبوع بمحافظ البنك المركزي المنشق عن نظام القذافي، فرحات بن قدارة، ورغم اعطائي تفاصيل عن حجم اصول ليبيا الخارجية، لكنه رفض التكهن بحجم ثروة القذافي وعائلته، غير انه اقر بأنه لم تكن هناك يوما اي مطابقة ما بين مبيعات ليبيا من النفط والعوائد النفطية الداخلة للمصرف المركزي، مما يؤكد بيع كميات من النفط لم تظهر عوائدها في خزينة الدولة.
اصول ليبيا بالعملات الاجنبية بلغت 168 مليار دولار في نهاية ايلول الماضي. منها 104 مليارات للمصرف المركزي الليبي، موزع معظمها بين 44 مليارا سيولة نقدية، 32 مليارا في سندات خزانة اميركية واوروبية، 7,7 مليارات مساهمات في بنوك، منها quot;يوني كريديتquot; الايطالي والمؤسسة العربية المصرفية والبنك اللبناني الخارجي، واحتياطات الذهب البالغة 155 طنا بقيمة 9 مليارات دولار بالاسعار الحالية، وهو ثالث اعلى مخزون في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بعد السعودية (322,9 طنا) ولبنان 286,8 طنا).
اما اصول مؤسسة الاستثمار الليبية (الصندوق السيادي لليبيا)، فبلغت 64 مليار دولار، منها 20 مليارا في ودائع، 7 مليارات في الاسهم، 3,8 مليارات بالسندات، و24 مليارا في شركات تابعة، منها quot;تام اويلquot;، quot;فياتquot; الايطالية، quot;بيرسونquot; الناشر لصحيفة quot;فايننشال تايمزquot;، ونادي quot;يوفنتوسquot; الايطالي لكرة القدم. ادارة هذه الاموال كانت سيئة، وتم الدخول باستثمارات رديئة، منها استثمار مليار دولار في احدى الادوات المهيكلة لدى بنك quot;سوسييتيه جنيرالquot;، تراجعت قيمتها الى 284 مليون دولار في نهاية حزيران الماضي. و1,4 مليار دولار مستثمرة في 5 صناديق لمؤسسات، منها quot;برمالquot;، quot;كرديديه سويسquot;، وquot;بي ان بي باريباquot;، خسرت 23% من قيمتها، وكلفت عمولاتها 81 مليون دولار.
بعد الثورة جمدت الولايات المتحدة والامم المتحدة وبريطانيا الاصول الخارجية لليبيا وعائلة القذافي. ومنذ ذلك الحين تتراجع قيمة هذه الاحتياطات لعدم وجود من يديرها.
وبالرغم من اعتراف المجتمع الدولي بالمجلس الانتقالي الليبي، لكنه لم يتم رفع التجميد عن الاصول الخارجية، ولم يستطع المجلس التصرف بها. والبعض يخشى ان تربط الدول الغربية تحرير الاصول بشروط سياسية بالنسبة الى شكل النظام الجديد.
المجلس الانتقالي سيرث ثروات ضخمة، لكن التحديات امامه كثيرة.
سيضطر اولا للتنسيق مع الامم المتحدة لتحرير الاصول المجمدة، والاستعانة ببيوت الخبرة لاسترجاع اموال القذافي واولاده والمقربين منه، وادارة هذه الثروات في شكل كفّي.
كما سيواجه تحدي استئناف انتاج النفط الذي تراجع من 1,6 مليون برميل في اليوم قبل الثورة الى 100 الف فقط الشهر الماضي. والسؤال، هل ستحترم الاتفاقات المبرمة سابقا ما بين الشركات النفطية العالمية ونظام القذافي؟ ام سيتم مكافأة الشركات التي اتخذت دولها موقفا داعما للثوار، ومعاقبة تلك التي اتخذت دولها موقفا معاكسا؟
التحدي الاكبر يكمن في وحدة الصف وعدم انفلات الاوضاع امنيا، وهو الخطر الداهم على ادارة البلاد وثرواتها.
حفرة القذافي
محمد حسين المومني
الغد الأردنية
لا أدري في أي حفرة يقبع الرئيس الليبي المخلوع، وكم عدد الذين ما يزالون حوله، ولكنني أقدر أنه حتى اللحظة لا يدرك ما حدث له، وعلى الأرجح يظن أن جحافل الصليبيين ستُهزم من قبل ثورته الماجدة والفاتحة التي جعلت منه ملك ملوك أفريقيا، وفيلسوف الكتاب الاخضر المنجّي من ظلم الرأسمالية واستبداد الشيوعية. حالة الهذيان الإكلينيكي التي يعاني منها الرئيس الليبي المخلوع سيذكرها التاريخ في صفحاته السوداء، وهي محرجة للإنسانية والعروبة بأن يتأتى لشخص من نوع زعيم العصابة المهووس قيادة دولة وشعب بأكملهما ولعقود من الزمان.نحن ملزمون أخلاقيا وعلميا أن نتوقف ونتساءل عن الكيفية التي تمكن من خلالها من يعاني من هذيان ولبس نفسي من أن يستمر في حكم شعب بأكمله لعقود أربعة. ما الذي فعله، وماذا كانت أدواته؟ كيف استطاع أن يقنع من حوله أنه quot;ملك الملوكquot; وصاحب الرؤية الخضراء للعالم؟ كيف استطاع غسل عقول من حوله، وكيف تأتى لمن قاتلوا دفاعا عنه أن يبيعوا عقولهم وشكيمتهم ويصلّوا لقائد من نوع القذافي؟ علينا أن نجيب عن هذه الأسئلة إن أردنا أن نفهم ما حدث، وكيف يمكن تجنبه في المستقبل، وتجنب مزيد من الاستعباد السياسي للشعوب العربية وغيرها التي ما يزال عدد لا بأس به منها مستعبدا بالفعل. ولكنني أدرك تماما أن الترهيب والتخويف والقتل والتنكيل، التي كانت أدوات وأسباب أساسية في استعباد الشعوب وامتهانها، أدوات قد اضمحلت، بعد أن غدا كثير من المواطنين العرب مستعدين لتلقي الرصاص بصدورهم وقول الحق في وجه السلطان الجائر، حتى لو كان ذلك عبر الفضائيات وquot;تويترquot;.
يحق لنا، ويجب علينا أن نتساءل ونحن نراقب سقوط القذافي عن أثر ذلك على القادة العرب الآخرين الذين يعاملون شعوبهم كقطعان ماشية لا رأي لها، ويجب أن تقاد إلى مصالحها التي لا يمكن لها أن تعرفها وحدها. كيف رأوا المشهد وماذا شعروا؟ أظنوا بأنهم مختلفون وأنهم على حصونهم باقون؟ ألم يقرّبهم ذلك ليقتنعوا بضرورة احترام الشعوب وكرامتها وإشراكها في القرار؟ لماذا ما يزال كثير منهم يمارس لعبة إنكار الحقيقة؟ ما الذي يمنع هؤلاء من التصرف كما يتصرف باقي حكام العالم، بأن يحكموا لفترة ثم يتركوا المجال لغيرهم، فيذكرهم التاريخ ضمن هذا السياق وليس لذبحهم وتنكيلهم بشعوبهم؟ لماذا أصبحوا حبيسي دوائرهم السياسية المعزولة، واستمرؤوا المديح الأجوف المبتذل؟
عدد من قادة العرب يعتقدون فعلا أنهم مختلفون، وأنهم يستطيعون أن يسلبوا الشعوب حقها في الكرامة والمشاركة، وهم يؤمنون أنهم أصحاب شرعية ومسؤولية سياسية بأن يقودوا، بل ويقتلوا الأصوات التي تقول بغير ذلك.أثق أن مشاهد سقوط القذافي وغيره أثرت بأولئك القادة، بل وأخافتهم، ولكنهم على الأرجح وفي اللحظة التي دخل عليهم فيها زبانيتهم وتلوا عليهم قصيدة عظمتهم وإلهامهم استعادوا ثقتهم باستثنائيتهم وإلهاميتهم، وأن دونهم الهلاك والضياع لشعوبهم التي quot;ضحّىquot; القادة الملهمون بحياتهم من أجلها.