خيرالله خيرالله
لماذا يمكن القول ان الشعب الفلسطيني شعب عظيم. لو لم يكن الامر كذلك ولو لم يكن هذا الشعب يتمتع، اضافة الى عظمته، بقدرة فائقة على الصمود والتمسك بحقوقه، لما كانت إسرائيل تخشى قيام الدولة المستقلة في حدود العام 1967 استنادا الى قرارات الشرعية الدولية. على رأس هذه القرارات القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة في تشرين الثاني 1967. اكّد القرار بما لا يدع المجال لأي لبس quot;عدم جواز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوةquot;.
كلّ ما فعلته إسرائيل في العام 1967 انها استفادت من المزايدات ومن غباء الانظمة العربية التي لا تعرف معنى موازين القوى، فشنت حربا استطاعت في نتيجتها احتلال الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة وصحراء سيناء وهضبة الجولان السورية. لا يزال الاحتلال الإسرائيلي للجولان وسهولة حصوله لغزا، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار طبيعة الارض في الهضبة وموقعها الاستراتيجي اللذين يجعلان من صدّ اي هجوم عليها امرا ممكنا متى توافر الحدّ الادنى من الارادة لدى المدافعين عن الارض. سيأتي يوم يفتح فيه ملف الجولان واسباب سقوطه في يد الاحتلال على الرغم من انه كان معروفا انه سيكون معرضا لهجوم إسرائيلي.
في كلّ الاحوال، المطروح حاليا كيفية مواجهة الرغبة الإسرائيلية في قطف ثمار حرب العام 1967 في ضوء سلسلة الاخطاء التي ارتكبها العرب منذ صدور قرار التقسيم الذي دعاهم يوما الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، رحمه الله، الى العودة اليه فخوّنوه. كان ذلك قبل سنة من حرب العام 1967 التي انتهت بكارثة لم يتعلّم كثيرون منها شيئا يذكر حتى يومنا هذا!
مرة اخرى، لماذا الشعب الفلسطيني شعب عظيم؟ لسبب في غاية البساطة يتلخّص بانّه لا يزال يشكّل هاجسا لإسرائيل. مجرد الذهاب الى الامم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية بحدود العام 1967 يقلق إسرائيل التي تكشف كلّ يوم انها مجتمع مريض لا يستطيع العيش في وضع طبيعي. ولهذا السبب تستعين حكومة بنيامين نتنياهو يوميا بالمواقف المتطرفة التي تصدر عن فلسطينيين وعرب وغير عرب لتبرير سياستها العدوانية الهادفة الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس.
استطاع الشعب الفلسطيني المحافظة على قضيته على الرغم من كل الاخطاء التي ارتكبها ياسر عرفات الزعيم التاريخي لهذا الشعب، خصوصا في الاردن ولبنان. لا يزال العلم الفلسطيني يؤرق إسرائيل على الرغم من عدم قيام الدولة الفلسطينية وعلى الرغم من كل الانقسامات التي لا معنى لها داخل quot;فتحquot; نفسها او بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; التي ترفض حتى السماح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) بزيارة قطاع غزة الذي حولته quot;امارة اسلاميةquot; على طريقة quot;طالبانquot;.
مجرّد ذكر اسم فلسطين لا يزال يرعب إسرائيل نظرا الى ان شرعيتها تقوم على فكرة الغاء الآخر بدل اعتماد خيار الدولتين والاعتراف بالنتائج التي تترتب على ذلك عمليا. في مقدم النتائج، العودة الى المفاوضات ولكن على اساس مرجعية واضحة هي حدود العام 1967. في النهاية، خاضت إسرائيل حرب العام 1967 واحتلت اراضي عائدة الى ثلاث دول عربية. لم تكن وقتذاك تحتل الضفة الغربية او سيناء او الجولان. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت شنّ حرب اسمتها quot;وقائيةquot;. لماذا صار الدفاع عن تل ابيب وحيفا ويافا يتطلب حاليا السيطرة على جزء من الضفة الغربية ومنع الفلسطينيين من اقامة دولتهم المستقلة quot;القابلة للحياةquot;؟
اثبت الشعب الفلسطيني مجددا انه ليس مستعدا للتخلي عن قضيته والاستسلام للاحتلال الإسرائيلي. هذا الامر يجب الاّ يحول دون التفكير مليا في خطوة الذهاب الى الامم المتحدة للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية ومخاطرها، خصوصا ان الادارة الاميركية غير قادرة على اتخاذ موقف شجاع داعم للخطوة. اكثر من ذلك، هناك مخاوف حقيقية من انعكاسات ذات طابع سلبي على العلاقات الفلسطينية - الاميركية في حال الاصرار على الذهاب الى مجلس الامن اوّلا للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية وعلى مقعد لفلسطين في الامم المتحدة. في هذه الحال ستستخدم الادارة الاميركية quot;الفيتوquot; في ضوء اضطرارها الى مسايرة إسرائيل واللوبي الذي تمتلكه في واشنطن دي. سي.
انه لوبي قويّ الى درجة جعلت الادارة تتراجع عن كل الخطوات الجريئة التي اقدمت عليها منذ وصول باراك اوباما الى البيت الابيض خصوصا في مجال ادانة الاستيطان واعتبار كبار المسؤولين في ادارته المستوطنات quot;عقبةquot; في وجه السلام.
ايا تكن نتيجة الذهاب الى الامم المتحدة، تبقى القضية الفلسطينية حية. تبقى كذلك على الرغم من كل التعقيدات التي تمر فيها المنطقة وعلى الرغم من التراجع النسبي لاهميتها في ضوء ما شهده الشرق الاوسط من احداث ضخمة في مستوى التغيير الذي حدث في العراق. ما حصل في العراق كان زلزالا بكل معنى الكلمة لا تزال تفاعالاته تهزّ المنطقة في العمق.
يكفي القضية الفلسطينية انها قضية شعب اوجد لنفسه مكانا على الخريطة السياسية للمنطقة، على الرغم من كل ما يعاني من انقسامات وظروف معقّدة على الصعيد الاقليمي. متى اوان توفير المكان الذي يؤكد على الارض، اي على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط، هذا الوجود السياسي؟ مثل هذا اليوم ليس يعيدا اذ لا يمكن لمن وجد لنفسه مكانا على الخريطة السياسية ان لا يترجم ذلك الى وجود على الخريطة الجغرافية...
التعليقات