عمر عدس
كان من أهم الاستنتاجات الخاطئة التي حاولت ldquo;إسرائيلrdquo; وأنصارها ترويجها عند بدء الانتفاضات العربية، أن هذه الانتفاضات تثبت أن قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، لم يعودا يشكلان القضية الأولى في المنطقة، وأن الشعوب العربية لديها من الهموم ما يشغلها عن تلك القضية، وعن ذلك الصراع . . ولكن الأحداث المتلاحقة تثبت عكس ذلك، وما اقتحام السفارة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في القاهرة، يوم الجمعة، 9/،9 إلاّ أحدها .
كتبت صحيفة نيويورك تايمز، (10/9/2011): مع اقتحام سفارتها في القاهرة، وبعثرة محتوياتها، ومع طرد سفيرها من تركيا، ومع سعي الفلسطينيين إلى الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم، وجدت ldquo;إسرائيلrdquo; نفسها يوم السبت، 10/،9 معزولة بصورة متزايدة، متصارعة مع شرقٍ أوسطٍ تحول بصورة جذرية، حيث تعتقد أن خياراتها فيه باتت محدودة وضعيفة .
وتمضي الصحيفة قائلة، إن الأزمة الدبلوماسية، التي تنشر فيها الريحُ التي أثارها الربيع العربي، البردَ فوق المنطقة، ( . . .)، قد تبلورت في مشهد الطائرات ldquo;الإسرائيليةrdquo; الحربية، التي هرعت إلى القاهرة فجر يوم السبت، لإخلاء الدبلوماسيين من السفارة ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي حاصرها آلاف المحتجين .
وتقول الصحيفة، إن الصورة ذكرت بعض ldquo;الإسرائيليينrdquo; بإيران سنة ،1979 عندما أخلت ldquo;إسرائيلrdquo; سفارتها في طهران بعد أن استبدَلت الثورة هناك حليفاً مخلصاً، بعدو لدود .
وتنقل الصحيفة عن ldquo;أَلوف بِنrdquo;، رئيس تحرير إحدى الصحف ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ما كتبه فيها يوم السبت، وجاء فيه: ldquo;بعد سبعة أشهر من سقوط نظام حسني مبارك، مزق المحتجون المصريون العلم ldquo;الإسرائيليrdquo;- رمزَ السلام بين مصر وجارتها الشرقية- إرَباً، بعد 31 عاماً . . ويبدو أن العلم لن يعود إلى ساريته قريباًrdquo; . .
وتقول نيويورك تايمز: منذ بدء الانتفاضات العربية، ظل المنتقِدون داخل الكيان الصهيوني، والأصدقاءُ الأجانب، بمن فيهم الولايات المتحدة، يحثون ldquo;إسرائيلrdquo; على اتخاذ خطوات تصالحية صريحة إزاء الفلسطينيين، والتوصل إلى توافقات مع كل من مصر وتركيا بعد المواجهات التي قتلت فيها القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo; مواطنين مصريين وأتراكاً .
وكانت تركيا قد طردت السفير ldquo;الإسرائيليrdquo; قبل أسبوع بسبب رفض ldquo;إسرائيلrdquo; الاعتذار عن غارة قاتلة شنتها السنة الماضية على سفينة تركية متجهة نحو قطاع غزة، سقط فيها تسعة أتراك . كما أن اقتحام السفارة في القاهرة يوم السبت، كان ناجماً عن قيام القوات العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; بقتل ثلاثة جنود مصريين على الحدود .
وتمضي الصحيفة قائلة، إن ldquo;إسرائيلrdquo; عبّرت عن الأسف لعمليات القتل في كلتا الحالتين، ولكنها لم تعتذر عنها معتبرة إياها عملاً دفاعياً (!!) .
وتقول الصحيفة إن التخمين المهيمن في حكومة نتنياهو، هو أن مثل تلك الخطوات لن تزيد الأمور إلاّ سوءاً، لأن ما يهزّ المنطقة لا علاقة لrdquo;إسرائيلrdquo; به، ( . . .)، حتى ولو كانت ldquo;إسرائيلrdquo; هدفاً له بصورة متزايدة . .
وهكذا تعفي ldquo;إسرائيلrdquo; نفسها من أي مسؤولية، حتى عندما تكون أيديها تقطر دماً . . وكل شعوب المنطقة مخطئة، وrdquo;إسرائيلrdquo; وحدها على حق . .
وتنقل الصحيفة قول إيلي شكيد، وهو سفير ldquo;إسرائيليrdquo; سابق لدى القاهرة، يعكس رأيه وجهة نظر الحكومة، ldquo;إن مصر ليست متجهة نحو الديمقراطية، بل نحو الأسلمة . . والأمر ذاته في تركيا وفي غزة . وهو شبيه تماماً بما حدث في إيران سنة 1979rdquo; . .
ولكن منتقدي الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; يحملون وجهة نظر مختلفة تماماً، كما تقول الصحيفة . .
وتورد الصحيفة بعض الأمثلة . تقول إن ldquo;الوف بِنrdquo; السالف الذكر، يعترف بأنه لا يمكن تخطئة نتنياهو على الأحداث في مصر، أو على صعود حزب يستلهم الإسلام في تركيا، أو على البرنامج النووي الإيراني . ولكنه يقول، مردّداً أصداء الانتقادات التي تطلقها إدارة أوباما، إن نتنياهو ldquo;لم يفعل شيئاً للتخفيف من النتائج غير المباشرة للتطورات السالفة الذكرrdquo; . .
ويقول دانييل بن سايمون، وهو عضو في البرلمان ldquo;الإسرائيليrdquo; من حزب العمل اليساري، كما تقول الصحيفة، إن حكومة نتنياهو ماضية على درب ldquo;لا يفضي إلى العزلة الدبلوماسية وحسب، بل يعرّض ldquo;إسرائيلrdquo; للخطر أيضاًrdquo; . . ويتابع سايمون قائلاً، ldquo;ومرد كل ذلك إلى خضوعه لهاجس معارَضة قيام دولة فلسطينية، وإلى شلله التام إزاء القضية الفلسطينية . . إننا نواجه مَدّاً دولياً في الأمم المتحدة . فلو انضم إلى التصويت لمصلحة دولة فلسطينية، بدلا من محاربتها، فسيكون ذلك أفضل ما يمكن أن يفعله من أجلنا في الوطن العربيrdquo; .
وتقول الصحيفة، إن الفلسطينيين قد نفضوا أيديهم من المحادثات مع ldquo;إسرائيلrdquo;، ويخططون خلال الأسبوعين القادمين، أن يطلبوا من الأمم المتحدة منحهم عضوية واعترافاً بالدولة ضمن حدود ،1967 بما في القدس الشرقية عاصمة لتلك الدولة .
وتقول الصحيفة، إن الآثار الجانبية للنزاعات الدبلوماسية بدأت بالظهور .
وترى الصحيفة أن العداء المتنامي من مصر قد يتطلب إعادة تفكير جذرية في العقيدة الدفاعية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التي ارتكزت خلال العقود الثلاثة الماضية على السلام على حدودها الجنوبية . ومع تنامي الفوضى في سيناء، واحتدام العاطفة المناوئة لrdquo;إسرائيلrdquo;في مصر، يدرس الخبراء الاستراتيجيون ldquo;الإسرائيليونrdquo; كيفية حماية الجنوب، بما في ذلك بناء جدار يمنع التسلل من سيناء .
وتقول الصحيفة، إن تهديد تركيا الأسبوع الماضي بتحدّي خطط ldquo;إسرائيلrdquo; الخاصة بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، يمكن أن تعرض للخطر اتفاق ldquo;إسرائيلrdquo; مع قبرص بشأن التنقيب عن الغاز، وأن يفاقم التوترات مع لبنان بشأن حقوق التنقيب . وتقول الصحيفة إن مخاوف ldquo;إسرائيلrdquo; المبدئية من انتفاضات الربيع العربي، قد بدأت تتجسد مادياً بطرق ملموسة . فعندما بدأت الانتفاضات في تونس ومصر في بداية العام، لم يكن الكثير من الاهتمام موجهاً نحو ldquo;إسرائيلrdquo;، لأن معظم التركيز كان منصبّاً على الإطاحة بالحكم الاستبدادي وخلق نظام سياسي جديد .
وتقول الصحيفة، أن التفسير ldquo;الإسرائيليrdquo; لما يحدث، أن انتفاضات الربيع العربي، تسعى إلى اتخاذ ldquo;إسرائيلrdquo; كبش فداء لوعود ثورية لم تتحقق ( . . .) .
ولكنّ ثمة تفسيراً آخر، كما تقول الصحيفة، سائداً في الخارج . . وهو أن العرب، والمسلمين، وكثيرين في أرجاء المعمورة، يعتقدون بأن ldquo;إسرائيلrdquo; تحتل المناطق الفلسطينية زوراً وبهتاناً، وهم غاضبون من ldquo;إسرائيلrdquo; بسبب ذلك . . وعلى الرغم من أن بعض ldquo;الإسرائيليينrdquo; يتهمون الأسلمة بأنها سبب العنف، فإن المصريين أشاروا يوم السبت، إلى أن الجماعات الاسلامية، بمن فيهم الإخوان المسلمون، نأت بنفسها عن احتجاجات الجمعة، ولم تحضر، بينما كان حشد من محبّي كرة القدم، ذوي التفكير العلماني، في طليعة مهاجمي السفارة .
وتنقل الصحيفة عن بنيامين بن اليعازر، وهو عضو في البرلمان ldquo;الإسرائيليrdquo; عن حزب العمل، ووزير سابق للدفاع، قوله ldquo;لقد سئم العالم هذا الصراع، وهو غاضب علينا، ويعتبروننا غزاة نحكم شعباً آخر . ولو كنتَ في مقام نتنياهو، فسوف أعترف بدولة فلسطينية . وبوسعنا عنذئذٍ أن نتفاوض على الحدود والأمن . ولكن شيئاً من ذلك لا يحدُث . ولم يبق لنا سوى حليف واحد، هو أمريكا، وحتى هذه العلاقة أيضاً، يشوبها التوترrdquo; .
وكتبت صحيفة الغارديان، (12/9/2011)، ضمن افتتاحية لها، إن وتيرة الأحداث فاجأتْ الجميع . فالعواطف الموالية للفلسطينيين لدى حشود المصريين التي انهالت على ميدان التحرير، (عند بدء الثورة المصرية)، كانت كامنة غير واضحة (طبعاً بالنسبة إلى مَن لا يعرفون الشعوب العربية وعمق الأواصر التي تربطها . .) . . . ولم يتوقع أحد، كما تقول الصحيفة، أن تنصبّ القوى التي أطلقها الربيع العربي، على الوجود ldquo;الإسرائيليrdquo; في القاهرة بهذه السرعة المفاجئة .
وتقول الصحيفة، إن الغضب الشعبي في مصر ناتج عن عاملين . الأول، أن الشارع المصري، لا يزال بعد سبعة شهور ونصف من سقوط نظام حسني مبارك، هو الذي يحمل لواء التغيير في البلاد .
والثاني، هو أن تحالفات ldquo;إسرائيلrdquo; القديمة كانت مع أنظمة- مستبدة في العادة- لا مع شعوب تلك الأنظمة . والآن، إذ يثبت الرأي العام وجوده في المنطقة مرة أخرى، لن تقف مصر على الحياد أبداً إذا وقعت حرب أخرى- كما فعلت عندما شنت ldquo;إسرائيلrdquo; عدوانها الوحشي على غزة سنة 2008 .
وترى الصحيفة، إنه ليس بوسع نتنياهو الآن، (بعد تدهور العلاقات مع تركيا، واقتحام السفارة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في القاهرة، واحتمال تحالف تركيا ومصر ضدّ ldquo;إسرائيلrdquo;) إلاّ أن يستعدّ لحرب أخرى، أو يسلّم بأن ldquo;إسرائيلrdquo; لم يعُد بمقدورها أن تفرض إرادتها على جيرانها .
التعليقات