صالح المانع


بدأت المعركة الانتخابية للرئاسة الأميركية مبكراً بصراع وتدافع بين المرشحين الجمهوريين، وذلك استعداداً للمؤتمر العام للحزب الذي سيعقد في شهر يوليو المقبل لاختيار مرشحه. وقد ازدحمت الساحة السياسية بعدد من المتناطحين، فقد بلغ عدد المرشحين من الحزب الجمهوري نحو عشرة، اضطر أربعة منهم إلى الانسحاب، وبقي ستة مرشحين آخرين. وكانت أولى محطات الانتخاب في ولاية quot;آيواquot;، حيث حصد المرشح quot;ميت رومنيquot; نحو 25 في المئة من أصوات الحزب الجمهوري، وفي المحطة الثانية في ولاية ماساشوسيتس حصل على 39,4 في المئة، وإذا ما نجح quot;رومنيquot; في مواصلة صدارته في الانتخابات الأولية في ولاية كارولينا الجنوبية وولاية فلوريدا، فقد يصبح بالفعل هو المرشح الرئيس لحزبه في الانتخابات الرئاسية القادمة.





وينتسب معظم مرشحي الحزب الجمهوري، إلى الخط اليميني المتشدد في الحزب، ويحاولون المزايدة على المتطرفين الذين كانت تمثلهم quot;سارة بالينquot;، ويسمون بحركة quot;حفل الشايquot;. ولا يوجد منهم من يمثل خط الوسط في الحزب إلا المترشح quot;ران بولquot;، الذي جاء في المرتبة الثانية في نيوهامشاير بنسبة 22,8 في المئة. ولعل من حسن الحظ أن المرشح الثالث والمتطرف جدّاً بالنسبة للعرب، quot;نيوت جينجريتشquot; لم يحصل على نسب كبيرة في كل من الولايتين. وكان quot;جنجريتشquot; هذا قال في مقابلة صحفية مثيرة للجدل، إنه لا يوجد شعب فلسطيني من الأساس!

يذكر أن المترشح quot;رومنيquot; يبلغ من العمر الخامسة والستين، وقد ولد في عائلة سياسية، فوالده كان حاكماً لولاية ميتشجان، وهو نفسه كان حاكماً لولاية ماساشوسيتس لمدة أربعة أعوام. وهو ثرى ترأس شركة استثمارات عامة، سميت بشركة quot;بينquot;، ونجح في جعلها من أكبر الشركات الاستثمارية في الولايات المتحدة. كما ترأس لجنة أولمبياد عام 2002. غير أن نجاح السيد quot;رومنيquot; لم يكن أيضاً دائماً أو متواصلاً، فقد فشل في منافسة quot;أدوارد كينديquot; على مقعد مجلس الشيوخ لولاية ماساشوسيتس عام 1994، بحكم الشعبية الجارفة التي كان يتمتع بها quot;كينديquot;.

ويطغى على المرشح quot;رومنيquot; ميله إلى المواقف السياسية المحافظة وربما كانت خلفيته الدينية في المذهب ضمن طائفة quot;المرمونquot; طاغية على مواقفه السياسية. وقد أثرت هذه الخلفية على قبول بعض الأوساط المحافظة به كمرشح للرئاسة، خاصة في أوساط المتدينين quot;الإنجيليينquot; في تكساس وغيرها من ولايات الجنوب. ومع ذلك فإن معظم من كتب عن quot;رومنيquot; من الصحفيين الأميركيين يصفونه برجل الأعمال العملي، الذي يميل إلى حل المسائل السياسية بطريقة المحاسبين بناء على الإحصاءات والأرقام.

ومع ذلك فإن موقفه من المسائل الاجتماعية يعتبر محافظاً أيضاً فلقد عارض قانون العلاج الشامل الذي تبناه الكونجرس، بناء على توصيات الرئيس أوباما، عام 2010. ويعجب المرء من الهجوم العنيف الذي يتعرض له هذا القانون، على رغم طابعه الإنساني، الذي يضع الولايات المتحدة في صف البلدان المتحضرة التي تضمن لمواطنيها العلاج المناسب، والتأمين الطبي من قبل الحكومة الفيدرالية.

ولعل الانقسام السياسي الذي عانت منه الولايات المتحدة ولا تزال تعاني، هو في موقف المواطن من الحكومة المركزية. فالمواطن الأميركي لا يثق في الغالب بواشنطن، ولا تصل نسبة من يثقون في حكومتهم هناك على رغم تصويتهم الديمقراطي لانتخابها، إلا 11 في المئة فقط في الوقت الحاضر.

ومثل هذا ينسحب أيضاً على موقف quot;رومنيquot; ونظرته لمسألة حق الأميركيين في شراء الأسلحة والاحتفاظ بها، وهذا جزء من الثقافة الأميركية، وإن كان بعض الليبراليين ينتقدونها، حيث يمكن أن تسقط هذه الأسلحة في أيدي المجرمين، وتقود إلى أعمال قتل وإجرام. ورومني كبقية المرشحين الجمهوريين، فالحبل الواصل بينهم أجمعين، هو مواصلتهم لمعارضة أوباما، وسياساته، التي يقولون إنها قادت أميركا إلى الإفلاس وانتشار البطالة، وتصدير الوظائف إلى الخارج، وخاصة إلى الصين وشرق آسيا.

أما في السياسة الدفاعية الأميركية، فقد دعا quot;رومنيquot; مبكراً إلى تبني الولايات المتحدة لسياسة دفاعية تقوم على جيش صغير قادر على الحركة، وأن تتحالف مع دول أخرى في تنفيذ عملياتها العسكرية في الخارج، وهو فعلاً ما طبقة أوباما في الحرب الليبية. كما دعا quot;رومنيquot; إلى حمل إيران على التخلي عن برنامجها النووي، حتى لو دعا ذلك إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية من قبل الولايات المتحدة لاختراق التحصينات الإيرانية. وفي حرب العراق تطابقت مواقف quot;رومنيquot;، مع مواقف الرئيس الجمهوري السابق بوش، كما دعا إلى استمرار الحرب في أفغانستان. وعلى رغم حرب حلف quot;الناتوquot; في ليبيا، وإن لم يعتبرها فعّالة بما فيه الكفاية، اعتبر موقف الولايات المتحدة من حكومة بشار الأسد غير كافٍ، إلا أنه لم يصل إلى الدعوة إلى إرسال قوات أميركية أو أخرى تابعة لحلف quot;الناتوquot; لإطاحة حكومة بشار.

وقد حاول كاتب السطور جهده أن يجد موقفاً سياسيّاً محدداً للمرشح quot;رومنيquot; من القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يجد أي شيء عن ذلك. غير أن موقفه العام حتى الآن، هو ضرورة الحوار والتواصل مع المسلمين وإيجاد حلول دبلوماسية للمشاكل العالقة مع العالم الإسلامي.

وما يطغى على برامج مرشحي الحزب الجمهوري في الغالب هو مواقف سياسية داخلية، خاصة بالوضع الاقتصادي والبطالة التي تؤرق الناخب الأميركي. وتغيب السياسات الخارجية في الأجندة السياسية الأميركية حتى الآن، بحكم انحسار اهتمام أميركا بالشؤون الخارجية بعد خسارتها للحرب في العراق وفي أفغانستان.

ولعل الدراما السياسية الأميركية في هذا العام ستجذبنا أكثر وأكثر لمتابعة هؤلاء المرشحين في هذه السنة الانتخابية.