كتب: Paul Stevens

تقضي الطريقة الأكثر فاعلية لفرض الضغوط على إيران بأن تقنع الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق العقوبات على الصفقات المالية.
في الأسابيع الأخيرة، انتشرت توقعات كثيرة مفادها أن إيران سترد على أي حظر يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط بمحاولة إغلاق مضيق هرمز الذي يشهد تدفق 32% من صادرات النفط العالمية و28% من صادرات الغاز الطبيعي المُسال، لكن تبقى محاولات الحظر مستبعدة مع أن المعطيات التاريخية تشير إلى أن العقوبات وحدها قد لا تنجح في كبح النظام الإيراني.
قد تمتنع إيران عن إغلاق المضيق لأن هذه الخطوة ستفشل بكل بساطة، إذ يشكل قطع إمدادات نفط الخليج تهديداً وجودياً على الغرب، ما يعني أنه قد يضطر إلى استعمال القوة لمواجهة ذلك الخطر، وفي حال تعرضت عمليات الترانزيت لتهديد فعلي، سيتحول الرد سريعاً إلى حرب بين إيران والولايات المتحدة التي تحظى بدعم عدد كبير من الحلفاء، صحيح أن أسعار النفط قد تبلغ مستويات غير مسبوقة، لكن تستطيع البحرية الأميركية استئناف عمليات عبور النفط سريعاً.
أما السبب الثاني الذي سيمنع إيران من إغلاق المضيق، فهو أن التهديد الجدي الذي يطاول مضيق هرمز يشكّل أبرز عامل ردع إيراني ضد أي اعتداء عسكري قد تشنه الولايات المتحدة أو إسرائيل على منشآتها النووية. بالتالي، سيكون اعتماد هذه الطريقة للرد على الحظر الذي قد يفرضه الاتحاد الأوروبي على قطاع النفط أسلوباً عقيماً لن يحقق أي نتائج مهمة.
لدى إيران خيارات أخرى للرد، فهي تستطيع تكثيف الضغوط على أسعار النفط من خلال المساهمة في زعزعة استقرار العراق، كما حصل غداة انسحاب القوات الأميركية، فقد بدأت النخبة الشيعية الحاكمة حرب استنزاف فعلية ضد السنّة.
قد يسبب هذا الوضع مشاكل عدة على مستوى صادرات النفط العراقي، وقد يؤدي أيضاً إلى نشوء مشاكل جدية بالنسبة إلى حلف الأطلسي في أفغانستان، كذلك، قد تتصاعد الضغوط على المصدرين في مجلس التعاون الخليجي، ما قد يمنعهم من منح البدائل إلى أوروبا خلال فترة قصيرة.
في أسوأ الأحوال، قد يهدد هذا الوضع منشآت التصدير التابعة لمجلس التعاون الخليجي، فعلى سبيل المثال، تكرر منشأة بقيق في المملكة العربية السعودية (وهي تقع ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية) بين 5 و6 ملايين برميل يومياً. يمكن أن نتوقع أيضاً حصول رد انتقامي ضد دول الاتحاد الأوروبي من النوع الذي شهدناه حين وسعت المملكة المتحدة نطاق عقوباتها.
لكن تشير الأحداث التاريخية إلى عدم فاعلية الحظر على قطاع النفط، وقد ثبت ذلك منذ حقبة تأميم شركات النفط في إيران في عام 1951 والأحداث التي أدت إلى الإطاحة بمصدق في عام 1953. من المعروف أن سوق النفط العالمية معقدة أكثر من اللزوم كونها تضم لاعبين كثيرين وتشمل خيارات متعددة لتمرير الصفقات، فتكثر الأمثلة التاريخية التي تؤكد فشل تدابير الحظر على قطاع النفط، بدءاً من كوبا وروديسيا وجنوب إفريقيا وصولاً إلى الحظر الذي فُرض على العراق بعد عام 1990.
تجدر الإشارة إلى أن لجوء الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر على النفط الإيراني سيعزز قوة نظام محمود أحمدي نجاد في زمنٍ يواجه فيه أصلاً ضغوطاً شديدة، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في شهر مارس، فلا تزال نسبة البطالة مرتفعة وينطبق الأمر نفسه على معدل التضخم الذي تأزم بسبب رفع الدعم عن سلع أساسية كثيرة خلال الأشهر الماضية، وفي الأسابيع الأخيرة أيضاً، تدهورت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار بشكل دراماتيكي.
في مرحلة معينة، بلغت نسبة تدهور العملة 30%، قبل أن تعود وتتعافى نسبياً، ما أدى إلى تراجع مصداقية النظام ويجازف هذا الوضع بتأجيج مشكلة التضخم. نظراً إلى الدور الحاسم الذي يلعبه النفط لتحديد ldquo;الحمض النوويrdquo; السياسي في إيران، سيؤدي حظر الاتحاد الأوروبي إلى اصطفاف الشعب وراء النظام الراهن.
تقضي الطريقة الأكثر فاعلية لفرض الضغوط على إيران بأن تقنع الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق العقوبات على الصفقات المالية. في بداية عام 2012، مررت الولايات المتحدة تشريعاً يفرض العقوبات على كل من يعقد الصفقات المالية مع البنك المركزي الإيراني، وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، تراجع نطاق نشاطات تمويل إيران في الاتحاد الأوروبي، غير أن اللجوء إلى الحظر المالي للحد من عائدات النفط يترافق مع مشاكل أخرى أيضاً.
يمكن أن يلجأ مستوردو النفط الإيراني إلى أسلوب المقايضة مع تجنب استعمال الأدوات المالية العادية، ويمكن أن تعتمد الصين هذا الخيار تحديداً، كذلك، تبرز قنوات مالية أخرى مثل البنوك ضمن الإمارات العربية المتحدة إذ يمكن استعمالها لإخفاء أثر الصفقات المالية.
صحيح أن جميع الأساليب المعتمدة للحد من عائدات النفط الإيراني ليست مثالية، لكن من المستبعد أن تؤدي العقوبات المالية إلى استياء شعبي كما سيحصل في حال فرض حظر نفطي لأن هذه الخطوة ستُعتبر اعتداء على إيران، وعلى الرغم من المشاكل التي تترافق مع العقوبات المالية، فقد يؤدي هذا الخيار على الأقل إلى الضغط على إيران، وهو أمر لن يفعله الحظر على النفط. باختصار، لا يمكن أن ينجح الحظر النفطي وحده.


* باحث بارز في مجال الطاقة والبيئة والتنمية في مؤسسة laquo;تشاتام هاوسraquo; البريطانية.