إياد الدليمي

يبدو أن خطى الملف السوري تسير مسرعة صوب التدويل ومجلس الأمن، وما يمكن أن يمثل ذلك من أزمة جديدة بانتظار المنطقة ككل وليس سوريا وحسب، فالإدارة السورية للأزمة ومنذ انطلاقتها أثبتت عقمها، وأنها لا تعرف من خيار أو حل سوى لغة الرصاص والقمع والاعتقال، متوهمة أن ذلك يمكن أن يثني إرادة شعب خرج مطالبا بحريته.
ورغم أن المبادرة العربية التي أعلنت قبل أيام من القاهرة، مثلت انعطافة مهمة في سير الأحداث والتطورات في سوريا، إلا أنها لن تكون سوى بداية مرحلة جديدة، قد تجعل من الملف السوري برميل بارود المنطقة المقبل.
لقد كانت المبادرة العربية الأخيرة، نقلة نوعية في عمل الجامعة العربية، فهي مثلت انتصارا لإرادة الشعب السوري على الأنظمة، بل إنها كانت خطوة في طريق إعادة وترميم وهيكلة البيت العربي للعرب من الداخل، وتغيير عقيدة ومبدأ هذه الجامعة العريقة، لتكون نصيرة للشعوب بدلا من أن تكون مظلة للأنظمة.
إن تحويل الملف السوري وبشكل تدريجي إلى مجلس الأمن، لن يأخذ وقتا طويلا، فالنظام السوري أعلن مباشرة رفضه للمبادرة العربية، ونعي وزير الخارجية وليد المعلم العمل العربي وأي دور للجامعة العربية، قبل أن يوافق في الليلة ذاتها من مؤتمره الصحافي، على تمديد عمل المراقبين العرب لشهر إضافي.
ويعول النظام على حليفته الأساسية روسيا في رفض أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن، يمكن أن يسمح باستخدام القوة ضده، بل أكثر من ذلك، فإن النظام يعتقد أن روسيا لن تقبل حتى بأقل من التدخل العسكري، وستسعى لحماية مصالحها في المنطقة عبر البوابة السورية بأي شكل من الأشكال.
إن نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، وإن لم يتم فعليا حتى اللحظة، إلا أنه لا يعني بالضرورة أن الطريق ستكون سالكة حول إمكانية استصدار قرارات أممية تسهل في عملية إسقاط النظام وتنتصر لإرادة الشعب السوري، فالروس ومن بعدهم الصينيون، ما زالوا يمسكون بتلابيب النظام، يرفضون له السقوط.
وهنا تبدو المهمة التي ستلقى على عاتق الجامعة العربية ليست بالهينة؛ لذا فإن الحديث الذي تسرب عبر عدد من وسائل الإعلام حول نية وفد خليجي رفيع زيارة موسكو للتباحث معها بشأن سوريا، تبدو واردة ومنطقية.
كما أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو هبط موسكو أمس الأول وتباحث مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي حول سوريا، ورغم أن لافروف لم يبد أي تغيير جوهري في موقف بلاده من الأزمة الروسية، إلا أنه أشار إلى الجامعة العربية ومبادرتها الأخيرة، ما يعني أن الروس، ربما، صاروا أكثر قناعة بحتمية تغيير النظام، إلا أنهم يبحثون عن مخرج يحمي مصالحهم أولا، وهو ما قد تمثله مبادرة الجامعة العربية الأخيرة.
على الأرض، لا يبدو أن من أشعل فتيل ثورة الحرية في سوريا متعب، فالشعب السوري صار أكثر وعيا بحركته وثورته، بل إنه بات اليوم أكثر قدرة على التعامل مع النظام والمرحلة التي ستعقب سقوطه، ما يشي بأن عمر الثورة السورية، الطويل نسبيا، كان لصالح مستقبل هذا الشعب، فهو الزمن الطويل، محص الكثير من الحقائق وأفرز العديد من المعطيات التي باتت المدن السورية مدركة لها.
بعد التدويل، لا يبدو أن الأمور ستكون سهلة، فالمنطقة برمتها تعيش واقع أزمات متلاحقة، فمن الملف الإيراني وحظر استيراد النفط إلى التهديدات المتتالية بإغلاق مضيق هرمز، وصولا إلى سوريا وأزمتها والعراق وتداعيات يومياته المريرة.
إن التدويل لا يعني بأي حال من الأحوال أن يلجأ العالم إلى العمل العسكري تحت البند السابع، بل إن هناك خيارات عدة، وهو الأمر الذي أكد عليه معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لعل من بينها إقامة مناطق عازلة وتوفير أكبر قدر من الحماية للمدنيين.
وفي خضم التداعيات المتسارعة للملف السوري، تبرز هنا، إسرائيل التي يبدو أنها متحفزة لاستغلال الموقف الجاري في المنطقة عموما وسوريا وإيران بشكل خاص، فكانت أن تصاعدت التهديدات بعمل عسكري ضد إيران، وهو أمر يبدو أنه أكثر جدية في الوقت الراهن، أكثر من أي وقت مضى.