أحمد الصراف

منذ ما بعد التحرير بقليل وأنا أكتب عن مخالفات بعض الجمعيات المسماة بالخيرية وتلاعبها باموال التبرعات، وكيف استطاعت جمع مليارات الدولارات دون أن تطالها يد الرقابة أو المحاسبة، فما جمعته مكنها من تقوية نفوذها السياسي، وزيادة ممثليها في البرلمان، وتعيين محازبيها في مراكز القرار، وهذا حصنها كثيرا من اي محاسبة أو رقابة. وقد رأينا سنة بعد اخرى كيف استمرت بعض هذه الجمعيات في مخالفة قرارات وأنظمة وقواعد وزارة الشؤون فيما يتعلق بجمع الأموال النقدية والتحويلات المصرفية، دون خوف بالرغم من تهديدات الوزارة بتوقيع اقصى العقوبات عليها، ولا أدري كيف بإمكان الوزارة القيام بذلك إن كانت هذه الجمعيات هي التي توصي بتعيين نصف الوزراء تقريبا؟ فقد قامت بعض هذه الجمعيات، وللمرة العشرين على الأقل، وخلال رمضان الماضي، بارتكاب مخالفات عدة رصدتها أجهزة الوزارة. كما قامت موظفة في الوزارة بالتقدم بشكوى للوكيل لتعرضها للسب والقذف من قبل مدير مالي في الجمعية المحلية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بعد ان رصدت مخالفات جسيمة بحقهم (جريدة laquo;الجريدةraquo; 8/10). كما اشتكت الموظفة من عدم تعاون مدير إدارتها مع تقاريرها، ربما لأنه قد يكون عضوا في اكبر جمعية خيرية متورطة في جمع الأموال! وهنا نجد أن عدم تعاونه مبرر، فالشرهة ليست عليه بقدر ما هي على من عينه لمراقبة laquo;ربعهraquo;! فهو منتمٍ لحزب سياسي ديني متطرف ومنصبه رقابي، ولحزبه الديني علاقة بمخالفات جمع التبرعات، فكيف يستقيم ذلك؟

تتلخص مشكلة التبرعات، التي عجزت اجهزة الدولة، ووزارة الخزانة الأميركية عن السيطرة عليها، في جوانب ثلاثة رئيسية: أولا: كبر حجم الأموال التي جمعت طوال الثلاثين سنة الماضية، وحق laquo;القائمين عليهاraquo; في الحصول على ما نسبته %20 منها لاستخدامهم الشخصي، وهنا نفترض أن الأربعة أخماس الأخرى، أو %80 من الأموال المحصلة ستذهب للغرض نفسه الذي جمعت له. ثانيا: بالرغم من كل الترهل الذي تشكو منه الإدارة الحكومية، والعمالة الفائضة والعاطلة، فإن الجهات المعنية في السلطة بخلت على إدارة رقابة الجمعيات بأي كوادر نوعية أو حتى عددية للعمل في جهاز رقابة أموال التبرعات، لكي لا تشغل بالها بتقاريرها. ثالثا: الصراع السياسي والمذهبي بين الكتلتين الأكبر في مجال جمع التبرعات، وفي عدد المخالفات بالتالي، على كسب قلب وجيب المتبرع الكويتي، وما يعنيه هذا الصراع من اشغال الإدارة السياسية وإرباكها! وبهذه المناسبة، وبعد مرور شهرين على آخر مخالفات الجمعيات الخيرية قام مدير إدارة الجمعيات والمبرات الخيرية في الشؤون بإمهال الجمعيات والمبرات المخالفة مهلة إضافية لتقدم تفسيرا لمخالفاتها، وتقديم كشوف بما جمعته لدعم الشعب السوري! وهدد المدير بأنه، في حال تقاعس الجمعية المخالفة عن التعاون، فإن الوزارة ستقوم بإغلاق الحساب الخيري للجهات المخالفة. ونحن نشك طبعا في أن يقوم السيد المدير بتنفيذ أي من تهديداته.