عبد الله بن بجاد العتيبي

منذ بدء الاحتجاجات والانتفاضات العربية مطلع عام 2011 قدّم بعض المحللين رؤية واقعية تشير إلى أنّها جميعا وإن سمّيت ثورات مدنية وتغنّى بها كثيرون إلا أنّها في حقيقتها ثورات أصولية تشمل جميع حركات الإسلام السياسي من إخوانٍ مسلمين وسلفيين على عدة مستويات لا يستثنى منهم إلا القلة التي يمكن تسميتها بالسلفية التقليدية وهي تختلف عن السلفية الجامية والسلفية السياسية.

كان التحذير مستمرا من محاولاتٍ إخوانية وإيرانية لاختراق سدّ دول الخليج المنيع إنْ عبر الصراع السياسي المحتدم مع الطرفين وخاصة الطرف الإيراني، وإن عبر مدافعة التغلغل الإخواني والإيراني في نسيج المجتمعات الخليجية وجوارها السياسي، وذلك حديث التاريخ وخبر الأحداث ومنطق الوقائع.

فضلا عن أعضاء وكوادر ورموز الإسلام السياسي فقد انتشى بتلك الاحتجاجات والانتفاضات ثلاث فئات خليجية يمكن تصنيفها كالتالي: مثقّف أقلي، وناشط ما، فقد تشابه الناشطون علينا، أو مثقف ليبروإخواني، كانت تحدو الثلاثة آمال مكتومة تكون صريحة أحيانا، بانتقال ما جرى في الجمهوريات العربية إلى دول الخليج، وقد ركبوا لذلك الصعب والذلول، وبعضهم لا كلّهم - للأمانة البحثية - لا يعنيه استقرار دول الخليج بحال، ولهذا فعلى الرغم من كل الفوضى والخراب الذي جرى في دول الاحتجاجات العربية فإن ذلك لم يعنهم في شيء بل المهمّ هو أن يحصل الانتقال مهما كانت العواقب.

كانت الكويت من أوائل الدول التي فتحت ذراعيها للإخوان المسلمين مبكرا، وتغلغلوا في كل مؤسساتها، وها هم يعودون اليوم ليردّوا لها معروفها تصديرا للثورة تنفيه الجماعة الأم وتؤكده الأحداث، وركوبا للغوغاء والجماهير، سواء كانوا من المشاهير أم من عامة الناس التي تحرّكها الشعارات ويؤثر فيها الخطباء المتشدّقون.

إنّ التغلغل الإيراني في الكويت لا يقل خطرا عن تغلغل الإخوان، منذ محاولة اغتيال الأمير السابق مايو (أيار) 1985 وصولا لخلايا التجسس التي أعلن عن كشفها مارس (آذار) 2011 وليس انتهاء ببقايا أياديها التي لم تزل تستهدف الكويت في السرّ والعلن.

التحرش الإيراني في الحج كان يأتي إمّا من إيران نفسها 1987 أو من الكويت 1990 وأحداث نفق المعيصم كما يذكر التاريخ، ذلك أن الكويت كانت تتساهل أحيانا مع الأخطار المحدقة، كالتسللات الإيرانية أو التغلغلات الإخوانية أو التهديدات العراقية زمن صدّام حسين، وهي بحكم طبيعة نظامها السياسي وتركيبتها المجتمعية قابلة للاختراق في بعض الأوقات.

من هنا، فإن الكويت مثّلت نقطة الانطلاق الفضلى لكل من يريد التغلغل والتأثير في دول الخليج، وليس غريبا أن تأتي مسيرة كرامة وطن في الكويت لتفرز المشهد الخليجي بين من يسعى للتطوير والتحديث المتدرج والواعي، وبين من يحث الخطى لنقل الفوضى والاحتجاجات العربية إلى دول الخليج غير عابئ باستقرار هذه الدول واختلاف طبيعتها السياسية والعلاقات التي تحكم الشعب بالقيادة عن دول الاحتجاجات العربية تاريخيا وواقعيا.

يمكن في هذا السياق رصد ردود الفعل والانتشاء الذي عبرت عنه بعض الفئات الخليجية حول ما جرى في الكويت، وخاصة في السعودية والإمارات والبحرين، فكل الفئات الثلاث المذكورة في صدر المقال ترغب في أن يحدث في الكويت بؤرة احتجاج قابلة للانتشار خليجيا، وما فشلت فيه إيران في البحرين قد تنجزه ومعها الإخوان في الكويت.

سبقت الإشارة للأدوار التي مارستها إيران في الحج، وكذلك فعل الإخوان المسلمون، وما لا يعلمه كثيرون هو أنّه منذ حجج البنا المتتالية منذ 1936 حتى 1948، كان الإخوان يستغلّون موسم الحج لأهداف سياسية، وقد استمرّوا في ذلك بعد إيواء السعودية لهم طوال زمن الاضطهاد الناصري لهم، وصولا لحج 1973 حين جمع المرشد العام الثاني حسن الهضيبي أتباعه في الحج وأعاد بناء التنظيم الدولي والتنظيمات الخليجية، وما يخشى أن يفعله الإخوان المسلمون في حجّ هذا العام هو أن يعيدوا ترتيب صفوفهم من جديد بعد وصولهم لسدة الحكم في تونس ومصر وهم ينتظرون في سوريا واليمن، وقد بدأوا بالفعل التحرش ببعض دول الخليج في الإمارات والكويت.

في تضاعيف المشهد الكويتي ما يؤكد أنّ ما جرى فيها ليس مؤامرة من أطراف خارجية فحسب، وإن كان لها تأثير لا يمكن إنكاره، ولكن ثمة أخطاء في تركيبة صنع القرار وتوحّده وفي آليات التعامل مع المستجدات والتيارات والرموز، وتحالفات لم تزل تتصاعد وتنمو دون إخضاعها لمزيد دراسة وفحص وعناية.

أمران مهمان جديران بالملاحظة فيما جرى في الكويت: الأوّل، هو التحالف الذي نشأ بين التجمعات القبلية وجماعات الإسلام السياسي. الثاني، هو الانقلاب في الطرح السلفي.

في الأول، إنّ التحالف الذي حدث بين التجمعات القبلية وخطاب الإسلام السياسي يكمن في أنّ القبلية كعامل وتكتل فاعل اجتماعيا وبالتالي سياسيا لا تمتلك خطابا سياسيا متكاملا بل هي وعاء قابل للتعبئة السياسية التي جاءت هذه المرة من الإسلام السياسي، ولكنّها ليست تعبئة دائمة ومستقرة بل هي مفتوحة دائما على إعادة التعبئة.

في الثاني، فإنّ مهمة خلق خطاب ديني يبرر خيارات الإسلام السياسي في السلطة كان متوقعا أن تأتي من جماعة الإخوان، ولكنّ المثير هو أنّ مثل هذا الطرح التأصيلي الشرعي لخيارات الإسلام السياسي في السلطة جاء من السلفية السياسية في الخليج وتحديدا من بعض باحثيها ورموزها وتياراتها الجديدة التي تدمج السلفية بالحركية تحت مسميات متعددة لا تفترق في التسمية إلا بقدر ما تتفق في الرؤية، وسواء تعلّق الأمر بخيارات الإسلام السياسي في دول الربيع الأصولي أم في دول الخليج كالإمارات والكويت والسعودية، والسلفية السياسية كما هو معلوم هي وليد خداج بين الإخوان المسلمين والسلفية التقليدية.

أخيرا، فإن على دول الخليج حكومات وشعوبا أن تتبيّن موطئ أقدامها في زمن اضطربت فيه العلاقات العربية والدولية وأصبحت هذه الدول أشبه ما تكون بكعكة كل يريد الحصول منها على قطعة.