روزانا بومنصف

يجد متابعون ديبلوماسيون ومراقبون في الخطوات التي اقدم عليها الرئيس المصري محمد مرسي مبررات في خطوات سابقة تعود لاشهر خلت ودفعته الى اعلان خطوات لتحصين موقعه وجعله فوق المحاسبة. كما يجد هؤلاء في ما يجري صراعا على السلطة بين الاخوان المسلمين والتيارات والاحزاب الليبرالية التي تخشى على موقعها في ظل انتخابات واستفتاء قد لا توفر لها فرص النجاح مع جماعة الاخوان المسلمين التي فازت في الانتخابات الرئاسية وتتحضر للسيطرة على مواقع السلطة متى اجريت الانتخابات والاستفتاء على الدستور. الا ان هذه المبررات واخرى سواها على صحتها او عدمها في الازمة التي تواجهها مصر حاليا تسقط او تتراجع امام ما بدت عليه الاجراءات التي اتخذها الرئيس المصري من حيث اضاءتها على جملة امور: اولها انه ادخل مصر في صراع داخلي بات مسؤولا عنه بغض النظر عن تقويم الاجراءات التي اعتمدها وبات عدم الاستقرار والفوضى السمة الاساسية التي اثارتها قراراته وما يمكن ان تجر مصر اليها وسترتب عليها وعلى المصريين مخاطر كبيرة. اذ ان هذا الصراع رتب وسيرتب انعكاسات اضافية مكلفة جدا مع مرور الايام والوقت من دون ايجاد مخرج مناسب له يساهم في انهاء الازمة، ليس اقلها الانعكاسات المالية والاقتصادية الهائلة التي تواجهها مصر، وهما مسألتان في غاية الاهمية والالحاح بالنسبة الى مصر، فضلا عن الانقسامات الداخلية التي لا تترجم نقاشا ديموقراطيا ضروريا وفعليا حول ما يريده المصريون بل اشتباكات في الشارع وعلى نحو خطير جدا.
ثانيا هناك جملة اخطاء ارتكبها مرسي اقله من حيث الايحاءات او الانطباعات عنها خارج مصر والتي نجحت المعارضة المصرية في الشارع في تعميمها بقوة. اذ ان كثرا ارتاحوا الى التعثر الذي واجهه الرئيس المصري وبعد اشهر قليلة فقط على تسلمه السلطة لجهة ما يعتبرون انه بمثابة كشف مبكرومسبق لما سيكون عليه حكم الاخوان لدى تسلمهم الحكم في بعض دول المنطقة. وان جل ما يريده هؤلاء هو السعي الى ترجمة روزنامتهم السياسية في الحكم في حين ان ما حصل في مصر ينبغي ان يفيد ان هذا الحكم لا يمكن ان ينجح متى تجاهل مطالب وتطلعات الفئات الليبرالية والمجتمع المدني في الدول التي شهدت ثورات من اجل تغيير انظمتها. ويعتبر هؤلاء ان ما يحصل في مصر سيشكل من حيث نجاحه او فشله درسا ونموذجا لطموحات التيارات الاسلامية في دول المنطقة اكانوا من الاخوان المسلمين او سواهم وهو سيقرر تاليا ملامح ما يمكن ان تتجه اليه الامور في كل من سوريا وتونس وصولا الى الاردن على رغم الحذر الذي يبديه الاخوان هناك، علما ان ثمة توقعات متزايدة نحو سعيهم المستقبلي القريب الى نقل محاولات تجربة النجاح المصرية ثم السورية المحتملة بعد سقوط النظام في سوريا الى عمان. فمصر دولة اساسية في المنطقة وفي الاتجاهات التي ترسمها. ومظهر الاخوان في مصر في سعيهم الى الاستئثار بالحكم واتهام معارضيهم خصوصا المرشحين الذين نافسوا مرسي على الرئاسة المصرية بالعمل لمصلحة اسرائيل وما شابه اثار مخاوف جهات دولية واقليمية عدة من عدم اتعاظ الاخوان من تجربتهم السابقة في مواجهة حكم اسلافهم.
ثالثا بدت القرارات التي اتخذها مرسي في اتجاه تعزيز صلاحياته غداة نجاحه في رعاية هدنة بين اسرائيل وحركة quot;حماسquot; في غزة والتصفيق الاميركي له في ادائه هذه المهمة كمن يستعيد تجربة من سبقه في مصر او سواها من الديكتاتوريات العربية الأخرى. اذ ان لعب دور كانت تلعبه بجدارة المخابرات المصرية دوما استحق الثناء لكون الحكم الاسلامي الذي كان يخشى منه كثر في مصر لم يخرج على quot;ثوابتquot; طمأنة الاميركيين والغرب وحتى الاسرائيليين الى التزام مجموعة مبادئ واحترامه لها بغض النظر اذا كان هذا الامر تكتيكيا من اجل تمكن الاخوان في الحكم وتثبيته وتأمين المساعدات المالية والاقتصادية الملحة ام لا. ومن ثم كانت قرارات مرسي بمثابة مسعى الى توظيف هذا المكسب الاقليمي والدولي في ما كان يلجأ اليه من سبق مرسي في مصر او سواها لجهة تعزيز صلاحياته او توظيف الدعم الخارجي له في المزيد من الامساك بمقاليد السلطة. لذلك أحرجت الدول الغربية التي سارعت الى التكيف مع الحكم الاسلامي الجديد في مصر وسعت الى احتوائه وتقديم المساعدات له او مهدت له الحصول على ضمانات الهيئات والمؤسسات الدولية كون مصر مهمة من جهة وخشية انتصار الراديكالية الاسلامية من جهة اخرى ووقعت في تحد كبير. اذ ان غض النظر عن اجراءات مرسي، ولو ان البعض من هذه الاجراءات يلقى تفهما، سيشجعه على المضي في تدعيم حكم اخواني يتجاهل فيه المعارضة مع ما لذلك من تبعات تتعدى مصر وصولا الى عدد من دول المنطقة علما ان هذه الدول مرتاحة لمراعاة مرسي مصالحها على صعد عدة ان في ما يتعلق بالاتفاقات مع اسرائيل والتطبيع معها تماما من دون تغيير عن حكم اسلافه او في شأن مصالحها الأخرى.
وبغض النظر عما اذا كان مرسي سينجح في عدم التراجع عن الخطوات التي اتخذها ام لا فان خسائر كبيرة قد حصلت حتى الآن.