محمد بن هويدن
لا يستطيع أحد منا إلا أن يشجب ما يحدث في سوريا من استخدام مفرط للعنف ضد المدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، وأن يدين كافة أعمال العنف ضدهم. وما من شك في أن النظام السياسي السوري يتحمل المسؤولية العظمى عن كل ما يحدث من أشكال العنف في سوريا، فهو من المفترض أن يحمي المدنيين، لا أن يُسير آلته العسكرية لقتل الأبرياء.
ولا يبدو في الأفق حل لما يحدث في سوريا، سوى المزيد من القتل والتنكيل بالأبرياء، من نظام يتذرع بالمسلحين لتبرير أعمال بطشه. فطالما أن هناك قوة مسلحة تقف في وجه النظام، فإن النظام لن يتوانى عن الاستمرار في استخدام قواته المسلحة، لمواجهة تلك القوة المسلحة.
الجيش السوري الحر، ورغم نبل هدفه، إلا أن استمراره في استخدام السلاح ضد قوات النظام، يعطي النظام المبرر للاستمرار في البطش والتنكيل بالشعب السوري المطالب بحقه في الحرية. لذلك عندما يخرج علينا صوت روسيا والصين الرافض للتشدد ضد النظام السياسي السوري، فإن مبرره هو أن النظام السوري يواجه حركة تمرد عسكرية، يجوز له أن يتعامل معها بالقوة من أجل القضاء عليها.
فالمشكلة في سوريا، هي أن الثورة قد انحرفت عن مسارها الشعبي، نحو إدخال عناصر عسكرية من الأفراد والضباط المنشقين عن القوات المسلحة السورية، الذين، وباسم الدفاع عن الشعب السوري المطالب بحريته، يستخدمون القوة العسكرية. فمن الطبيعي أن تزداد قوة النظام السوري العسكرية تنكيلاً بالشعب السوري، بحجة أن هناك مُندسين عسكريين من بينهم يرفعون السلاح ضد جيش الدولة.
فطلقة واحدة في اتجاه الآلة العسكرية النظامية السورية، كفيلة بأن تجعل تلك الآلة ترد بشكل همجي في كل الاتجاهات. وهو الخطأ الكبير الذي ارتكب في حق الثورة السورية، مما أدى إلى سقوط الأعداد الكبيرة التي نشاهدها يومياً من ضحايا العنف غير المقبول.
الحقيقة، أن عمل قوات محدودة التنظيم والعدد والعتاد كقوة الجيش السوري الحر، لن تتمكن من إرضاخ الآلة العسكرية السورية المتخمة بالعدد والعتاد، بل ستؤدي وللأسف إلى تفاقم المشكلة وترسيخها في المجتمع السوري.
فهذه القوة العسكرية غير النظامية، ستُستخدم كحجة في يد النظام السياسي ومن يحالفه، لرفعها ضد المنتقدين للاستخدام العسكري المفرط من قبل الآلة العسكرية الحكومية؛ وقد تتفاقم إلى درجة إدخال دول أخرى في دائرة الصراع الدائر هناك، من خلال انخراطها في تقديم الدعم العسكري والسياسي لها.
والحل الأمثل لتحقيق الثورة السورية لهدفها، هو في حل الجيش السوري الحر وكل التنظيمات العسكرية الهادفة إلى مواجهة قوات النظام السياسي السوري، ووقف أعمالها العسكرية، وإعادة الثورة إلى نقطتها الأصلية التي انطلقت منها، بحيث تكون ثورة شعبية يقودها أفراد الشعب السوري المطالبين بالحرية.
على الشعب السوري أن يواجه الآلة العسكرية النظامية بهتافات الحرية، وليس بفوهات البنادق. وعندها فقط يستطيع النظام الدولي أن يجد ما يبرر به التدخل وحماية الشعب السوري، وعندها فقط لن تستطيع روسيا أو الصين أن تبرر موقفها من دعم النظام السياسي في سوريا.
لقد تمكن الشعب التونسي، والشعب المصري، والشعب اليمني، من تحقيق أهداف ثورته بالإطاحة برأس نظامه السياسي الفاسد، ليس بالقوة العسكرية، وإنما بالحراك الشعبي والتضحيات الكبيرة التي قدمتها شعوب تلك الدول. فلو أن الشعب التونسي أو المصري أو اليمني رفع السلاح في وجه النظام السياسي، لكان ذلك مبرراً كافياً للقوة العسكرية المسلحة في تلك الدول، لأن ترفع سلاحها ضد شعبها، بحجة القضاء على الأعمال العسكرية وحماية أمن واستقرار الدولة.
لكن ذلك لم يحدث، وهو ما أنجح الثورة في تلك البلدان. والصورة تختلف بالطبع في ليبيا، حيث رفع الشعب السلاح في وجه النظام، فتحرك النظام بالقوة العسكرية وكل ما لديه من آلة بطش لإنهاء قوة الطرف الآخر العسكرية.
وكاد له أن يفعل ذلك ويحقق هدفه ويدخل ليبيا في دوامة من العنف الممنهج من قبل النظام على شعبه عقاباً على ما قام به، ولكن وقفة المجتمع الدولي حالت دون حدوث مثل ذلك الأمر.
إن أمام سوريا خيارين، الخيار التونسي ـ المصري ـ اليمني، والخيار الليبي. وحيث إنه لا يبدو في الأفق توجه قوي نحو استخدام الخيار الليبي، نظراً للموقف الروسي والصيني المعارض لهكذا توجه، فإن الخيار الآخر هو الأبرز لتحقيق هدف الثورة في الإطاحة بالنظام.
ومن أجل أن لا تدخل البلاد في حرب أهلية طويلة وفي دوامة لا تنتهي من العنف، فإن على الجيش السوري الحر وقف أعماله، ليجعل الشعب السوري يواجه النظام السياسي وآلته العسكرية بنفسه، مدججاً بعزيمته نحو التغيير وبدعم سياسي دولي.
هذا الخيار هو الكفيل بالوصول إلى حل للقضية، سواء أكان الحل سياسياً أم عسكرياً، حيث لن يصبح عندها للنظام السياسي السوري عذر التحجج في قتل المدنيين، بالقضاء على التمرد العسكري الذي يستخدم القوة العسكرية ضد جيش الدولة، ولن يصبح للدول الكبرى المساندة له، عذر للاستمرار في دعمه في الأمم المتحدة.
التعليقات