عبدالله إسكندر
حتى لو لم يعلن وزراء الخارجية العرب اليوم اعترافهم بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً وحيدا للشعب في سورية، بما ينزع الاعتراف الديبلوماسي بالنظام في دمشق، فان المجلس الوطني بات معترفاً به، بحكم الأمر الواقع، ممثلاً للمعارضة والمحاور الوحيد في أي مفاوضات أو مساومة. وهذا الواقع لا ينطبق على الاعتراف العربي فحسب، وإنما أيضاً على المستوى الدولي، بما في ذلك روسيا والصين على رغم استخدامهما حق النقض ضد مشروع القرار في مجلس الأمن.
وهذا يعني أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة سياسية جديدة، تتخذ منحى متزايداً من الدور الخارجي في مجرياتها من جهة، ومنحى متزايداً من الإفراط في القوة الحكومية في مواجهة الحركة الاحتجاجية.
ومع القرارات التي يتخذها الوزراء العرب اليوم، بعد إبعاد السفراء السوريين في دول مجلس التعاون ودول عربية أخرى، ومع تقديم المملكة العربية السعودية مشروع قرار يتضمن الآليات التي وردت في مشروع القرار أمام مجلس الأمن، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يحوز على غالبية كبيرة، تنحسر كثيراً رقعة التحرك الديبلوماسي للنظام السوري. ولذلك نرى قوات هذا النظام، في مسعى إلى إحداث انقلاب في ميزان القوى على الأرض، تعتمد كل أشكال العنف من أجل القضاء على الثورة.
لقد اعتمد النظام هذا الأسلوب منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية قبل نحو عام تقريباً. لكنه كان يعول، في مرحلة أولى، على إمكان القضاء على الاحتجاج عبر استخدام القوة والتلويح بإصلاحات، عله يتمكن من شق الحركة الاحتجاجية واستعادة صورته كضابط بيد قوية للوضع الأمني وإرهاب المحتجين.
ولما لم تنفع هذه السياسة، انتقل في مرحلة ثانية إلى الحل الأمني المحض، وهي المرحلة التي ترافقت مع وجود المراقبين العرب. وهذا عنى الضرب بعرض الحائط لكل محاولات التسوية الممكنة، باستثناء بقاء الوضع على حاله.
ولعل الفيتو الروسي - الصيني الذي جاء تتويجاً لهذه المرحلة هو المؤشر إلى الانتقال إلى المرحلة الراهنة: تخلي النظام عن كل احتمال تسوية، بغض النظر عن شكلها ومآلها، والدفع بكل ما يتوافر من إمكانات حربية لإنزال أقسى الخسائر المادية والبشرية في أماكن تجمعات المحتجين أو الأماكن التي يمكن أن ينتقل إليها الاحتجاج. أي الدفع إلى تعميم الحرب الداخلية إلى كل المناطق عملياً.
في موازاة ذلك، ينتقل الوضع العربي، ومعه الوضع الدولي، من المساعي الحميدة بين المعارضة والنظام لإيجاد تسوية، إلى مرحلة انقطاع الأمل بإمكان هذه التسوية وتحميل النظام مسؤولية الفشل، بما يعنيه من استمرار الدمار والقتل، والى دعم المعارضة في مسعاها إلى التغيير. أي أن النظام بات يواجه حال عزلة خارجية، إقليمية ودولية، في الوقت الذي تتسع دائرة التأييد والدعم للمعارضة.
وبالتأكيد، ساهمت طريقة النظام في معالجة الأزمة منذ اندلاعها بالوصول إلى هذه النتيجة. إن لم يكن النظام سعى منذ البداية من أجل الوصول إليها، خصوصاً أنه أرسى كل حركته السياسية على روايته للأحداث ومن ثم اتهامه للخارج بدعم الثوار. وهذا ما عبر عنه عبر رسالته الأخيرة إلى الأمم المتحدة.
بكلام آخر، حقق النظام غرضه بالدفع إلى مرحلة التدخل الخارجي الذي اتخذ في السابق شكلاً سياسياً، وسيتخذ شيئاً فشيئاً شكل الدعم المادي. بما يضع البلاد في الطريق الذي حذر الجميع منه وهو مرحلة الانتقال إلى اقتتال باتت تتوافر له مقومات الاستمرار، مع كل ما يعنيه ذلك ليس من قتل ودمار وإنما أيضاً من نكوص في المطالب الإصلاحية، مع اتخاذ الاقتتال شكلاً طائفياً متزايداً، واستقطاباً إقليمياً في الاتجاه ذاته.
التعليقات