ياسر الزعاترة

لم يكن قرار حماس بمغادرة سوريا سهلا على الإطلاق، فقد حصلت الحركة من نظامها على دعم استثنائي لم تحصل عليه من أي طرف عربي آخر، صحيح أنه -أي النظام- كان يتعامل مع الحركة، وبالضرورة مع حزب الله بوصفهما جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي، وبالتأكيد جزءاً من مصلحة النظام، لكن السياسة لا تتعامل مع النوايا في معظم الأحيان، بل مع الوقائع على الأرض.
وفي حين تجاوزت الحركة حقيقة الرؤية السياسية التي يتبناها النظام لجهة موقفه التقليدي من الإسلاميين، لم يكن أمام النظام غير تجاوز الحقيقة المرة التي وجدها أمامه ممثلة في أن الطرف الأقوى في الساحة الفلسطينية ينحدر من خلفية إسلامية إخوانية، تنتمي إلى ذات المدرسة التي يشيطنها وسبق أن دخل معها في معركة كسر عظم مطلع الثمانينيات (في آخر خطاباته استخدم بشار الأسد في وصف الإخوان المسلمين عبارة إخوان الشياطين)، لاسيما أن الطرف المنافس لها في الساحة قد ذهب نحو معسكر عربي آخر، وبات الأمر أكثر وضوحا وحسما بعد استشهاد ياسر عرفات.
أيا يكن الأمر، فقد وقع اللقاء بين الطرفين، في حين كان المسار السياسي لعموم الحركات الإسلامية يميل إلى التعامل مع النظام السوري بوصفه ينتمي إلى معسكر المقاومة والممانعة، حيث شملت مسيرة اللقاء معه أكثر تلك الحركات، وبالضرورة الأنظمة التي تقترب منها أو تساندها بهذا القدر أو ذاك، كما هو حال تركيا (إسلاميا)، وقطر والسودان (عربيا).
قبل وصول رياح الربيع العربي إلى سوريا نصحت قيادة حماس الرئيس السوري بضرورة تبني إصلاحات سياسية تقنع الشارع السوري، وتلبي طموحاته في الحرية والكرامة، لكنه تعامل مع الأمر بقدر من الرعونة والاستخفاف معتبرا أن laquo;نظام المقاومة والممانعةraquo; يختلف عن سواه، متجاهلا أن الثورات العربية لم تنفجر بسبب السياسة الخارجية، وإن حضرت بهذا القدر أو ذاك في الضمير الجمعي للجماهير، كما تجاهل أيضا أن جزءاً لا بأس به من الشعب السوري لم يكن مقتنعا بحكاية المقاومة والممانعة، إذ يصعب على من يعيش القهر والظلم والفساد أن يرى فضيلة لمن يمعن في قهره وظلمه.
اندلعت الثورة المنتظرة، لكن النظام لم يبادر إلى استيعابها، بل واجهها بالكثير من الرعونة، بل السخرية كما تبدى في خطابي الرئيس الأول والثاني، فضلا عن مواجهة المحتجين بالرصاص والقمع، وحين جد الجد جاء النظام يطلب صراحة من حماس رد الجميل، والرد برأيه هو موقف حاسم ينتصر له ضد الشعب السوري.
لم يكن بوسع حماس أن تقدم هذا الاستحقاق، وردت على ضغوط النظام بالقول إن تحالفها معه هو ضد العدو الصهيوني وليس ضد الشعب السوري، الأمر الذي كان طبيعيا لجملة من الاعتبارات أهمها أن الحاضنة التي قدمها الشعب السوري لحماس كانت أكثر من رائعة، وهي تتفوق على حاضنة النظام، لاسيما أنها لا تنتمي إلى لغة المصلحة، بل إلى لغة المبادئ. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل هناك أيضا البعد الأخلاقي والمبدئي الذي يمنع حماس من تجاهل مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، هي التي انتصرت من قبل للشعوب الأخرى، ولا تسأل عن حقيقة أن أي موقف آخر سيجد رفضا من جماهير الأمة التي انتصرت دون تردد لثورة الشعب السوري.
تصاعدت الضغوط، ودخل الإيرانيون على الخط بمزيد من الضغط ووقف المساعدات، لكن قيادة حماس لم ترضخ واستمرت في رفضها، بل بدأت ترتب أوراقها للخروج التدريجي، قبل أن تتصاعد الضغوط أكثر فأكثر وصولا إلى طلب صريح بمقابلة خالد مشعل للرئيس، وبالطبع كي يستخدم اللقاء في سياق الترويج للنظام، فكان الرفض الصعب، بل بالغ الصعوبة، ومن ثم الخروج الكامل.
هو موقف تاريخي من دون شك، سيذكره الشعب السوري لحماس، وهو سيعود إلى احتضانها من جديد ما إن تنجلي الغمة، وفي السياق بعث لي الصديق (السوري) تيسير علوني رسالة أرفق معها مقطع laquo;فيديوraquo; لمسيرة في حماة تهتف لفلسطين والقدس والأقصى، ولحماس أيضا، ثم قال معلقا إن ذلك هو ضمير الشعب السوري قبل أن يختم قائلا: قل لهم ألا يطفئوا الأضواء؛ أضواء البيوت والمكاتب، لأن العودة ستكون قريبة، وشعبنا السوري سيكون لفلسطين كما كان لها دائما، وليس للجولان المحتل وحسب.
ليس مهما أن تطفأ الأضواء أو تشعل أيها الصديق العزيز، فحماس، ومعها كل فلسطيني شريف لن يقايضوا حرية فلسطين بحرية سوريا وشعبها، فنحن أمة واحدة، وفلسطين ليست سوى جزء من الشام العزيزة، وحين تتحرر الأخيرة من الظلم والطغيان ستتفرغ، ومعها بقية الحواضر الحرة لتحرير فلسطين من دنس الغزاة، ولن يكون ذلك بعيدا بإذن الله.