حسن عبدالله جوهر

بدلاً من أن تكون المعارضة الجديدة مصدراً للمواجهة والتصدي للأغلبية البرلمانية الحالية، التي كسبت الرهان على تماسكها في استجواب الوسمي، وعوضاً عن أن تبدأ بنتف الريش صار رموزها يركضون، وبإشارة إصبع واحد من أي نائب في الأغلبية، وقد تنتف نصف ريشهم في أول أسبوع من عمر المجلس الجديد!
استجواب النائب عبيد الوسمي لرئيس الوزراء بقدر ما كان مفاجئاَ ومباغتاً وفردياً في قراره وتوقيته، إلا أنه في الوقت نفسه جاء ذكياً وفيه من laquo;الزغالةraquo; السياسية ما يكفي لكشف خارطة طريق مجلس 2012، وفرز العديد من نوابه، وتبيان مواقفهم وجزء كبير من أجنداتهم في وقت مبكر جداً.
ويمكن تحليل الاستجواب بمضمونه كمادة سياسية وتوقيته الزمني من زاويتين لهما أهمتيهما، بل أتت بثمارها بشكل سريع أيضاً، وتتمثل الزاوية الأولى بالجانب الشخصي للنائب الوسمي نفسه الذي فرض نفسه سياسياً، وأوقف البلد على رجل واحدة لمدة ثماني وأربعين ساعة استقطب خلالها الأنظار من كل حدب وصوب، وبرز كنجم جديد حيث فضح سياسة الكيل بمعايير مزدوجة في أسلوب التقاضي والتحقيق، وفرض من خلالها المبادرة الفورية في تعديل قوانين إجراءات التحقيق والحجز التحفظي، وتقييد يد الحكومة في التعسف بهذا الشأن.
الأمر الذي قد يخدم جميع الفئات الشعبية خصوصاً في ظل استمرار الحراك السياسي وارتفاع سقف الخطاب عند الكل، بل قد ينقذ حتى الحكومة من ورطة الرضوخ للصوت العالي في ملاحقة الخارجين على القانون تبعاً لرأي جمهور كل فريق من الخصوم السياسيين، ومن جهة أخرى يضع قانون حماية الوحدة الوطنية ونبذ الكراهية في قمة أولويات الفترة القادمة.
ومن زاوية أخرى فقد كان إعلان الاستجواب حرفنة سياسية لكشف التسلل، وخاصة لبعض النواب خصوصاً من أنصار الحكومة السابقة الذين ألقوا معظم أوراقهم على الطاولة، فانكشفت سريعاً بل لعلها احترقت مع أول لعبة تكتيكية، حيث أعلنوا ليس فقط عن تأييدهم للاستجواب، بل جمع التواقيع على ورقة عدم التعاون والتعهد بإسقاط حكومة جابر المبارك حتى قبل تقديم الاستجواب وتبيان مادته.
والمضحك أن أبطال هذا التوجه كانوا أساس فتنة اقتحام قناة الوطن وحرق المخيمات الانتخابية، فمنهم من قام بسب قبيلة المطير بالاسم وبكل وقاحة، ومنهم من كان يصفق بحرارة عند شتم أبناء القبيلة، ومنهم من أفتى بالتصويت لمن تهجم على المطران، ولكن كان عندهم الاستعداد للذهاب إلى أبعد مدى في الاستجواب laquo;المطيريraquo; نصرة للقبيلة وترسيخاً للوحدة الوطنية.
ووصلت الحال بهذه الوطنية المزعومة أنه لا مانع من وضح أيديهم بيد المؤزمين والغوغائيين وحتى التكفيريين هذه المرة، بل تبرير توقيت الاستجواب المبكر باعتباره حقا دستوريا أصيلا والخروج على طاعة ولي الأمر في إعطاء الحكومة فرصة للعمل والتعاون معها، علماً أن كل ذلك كان من المحرمات والجرائم التي لا تغتفر قبل شهرين فقط!
وبدلاً من أن تكون المعارضة الجديدة مصدراً للمواجهة والتصدي للأغلبية البرلمانية الحالية، التي كسبت الرهان على تماسكها في استجواب الوسمي، وعوضاً عن أن تبدأ بنتف الريش صار رموزها يركضون، وبإشارة إصبع واحد من أي نائب في الأغلبية، وقد تنتف نصف ريشهم في أول أسبوع من عمر المجلس الجديد!