عبد الباري عطوان

ان تتقدم اسرائيل باقتراح الى الصليب الاحمر الدولي يقضي بتقديم مساعدات انسانية الى الشعب السوري، فهذه ليست قمة الاهانة فقط وانما قمة الوقاحة ايضا.
والاكثر من ذلك ان افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال 'ان دولة الشعب اليهودي لا يمكنها السكوت، وعدم فعل شيء ازاء ما يحدث في سورية'.
ليبرمان ودولته ينسيان المجازر التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في سورية، والاعتداءات المتكررة لخرق السيادة السورية ابتداء من تدمير مفاعل دير الزور، وانتهاء باغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة دمشق.
الشعب السوري بكافة اطيافه وطوائفه لا يمكن ان يفكر، مجرد تفكير، بالحصول على اي مساعدات من اسرائيل، الدولة التي اعتدت عليه في حزيران (يونيو) عام 1967 وما زالت تحتل ارضه، وارض فلسطين العربية، وتمارس كل انواع الارهاب ضد اكثر من اربعة ملايين فلسطيني في الاراضي العربية المحتلة.
انها محاولة اسرائيلية رخيصة للاصطياد في الماء العكر، وتشويه الانتفاضة السورية الشعبية المشروعة، المطالبة بالتغيير الديمقراطي ووضع حل لسنوات من القهر والظلم والاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان.
ربما تكون هناك خلافات او انقسامات بين ابناء هذا الشعب العظيم حول النظام، وحلوله الامنية الدموية التي قادت البلاد الى هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه حاليا، ولكن لا جدال في ان ما يوحد هذا الشعب هو العداء لاسرائيل، والمشاعر الوطنية القوية التي تريد تحرير كل الاراضي العربية المحتلة دون اي استثناء.
المساعدات الانسانية الاسرائيلية التي يعرضها ليبرمان او غيره من المسؤولين الاسرائيليين ملطخة بدماء الفلسطينيين، ومسروقة من ارضهم وثرواتها المتعددة، مثلما هي مسروقة من هضبة الجولان وتينها وعنبها وفاكهتها الشهية، ولا يمكن ان ننسى دماء اللبنانيين والمصريين والاردنيين الطاهرة التي سفكتها الطائرات والحروب الاسرائيلية.
هذا التعاطف الكاذب والسمج مع الشعب السوري لا يمكن ان ينطلي على احد، ناهيك عن اولئك الذين يواجهون الموت يوميا طلبا للكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية.
دموع ليبرمان الكاذبة والمسمومة هي جزء من طموحات اسرائيلية للتسلل الى المنطقة العربية استغلالا للاوضاع الراهنة، وللثورات العربية على وجه الخصوص، وربما يفيد لفت الانظار الى الرسالة التي حملها برنارد هنري ليفي، نيابة عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل عارضا فيها التطبيع واقامة علاقات مع حكومته، وهي رسالة نفاها المجلس واكدها ليفي في كتابه الذي صدر قبل بضعة اشهر مع تفاصيل كثيرة.
' ' '
ليفي نفسه حاول التسلل الى المعارضة السورية وتنظيم مؤتمرات لدعمها في باريس وغيرها، على طريقة دعمه للثورة الليبية، ولكن هذه المعارضة، مع بعض الاستثناءات، اغلقت الابواب في وجهه، وابلغته صراحة ان سعيه 'غير مشكور'.
ولعل ما يزعج اكثر ما ورد في بيان جماعة الضغط اليهودية الامريكية 'ايباك' حول مؤتمرها الاخير، وهو البيان الذي حرض على انهاء الطموحات النووية الايرانية بالطرق كافة، لما تشكله من اخطار ليس على اسرائيل، وانما ايضا على 'الاصدقاء' في منطقة الخليج العربي.
سبحان الله.. اصبح اللوبي اليهودي الابرز في واشنطن الذي وقف بقوة خلف الحرب التي دمرت العراق لمصلحة اسرائيل، وقتل فوق المليون من ابنائه، وتيتم اربعة ملايين من اطفاله، هذا اللوبي بات يعتبر نفسه حريصا على العرب والذين تأسس من اجل محاربتهم، والدفاع عن اغتصاب حقوقهم، وتهويد مقدساتهم، والتشجيع على تمويل الاستيطان في ارضهم.
الشعوب الخليجية، وهي المعروفة بمواقفها الوطنية المشرفة في دعم قضايا الامة والعقيدة لا تشرفها مثل هذه الصداقة، ولا هذا التعاطف الكاذب، حتى لو كانت تتوجس خيفة من ايران واطماعها في ارضهم وثرواتهم.
اسرائيل تريد ضرب ايران وتدمير منشآتها النووية ليس حرصا على العرب مثلما تدعي، وانما حتى تظل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وتستخدمها لارهاب جميع جيرانها، بل والامة الاسلامية بأسرها، حتى تمضي قدما في مشاريعها الاستيطانية، وتحقيق طموحاتها في اقامة اسرائيل الكبرى.
مؤسف ان نضطر الى التذكير بمثل هذه الثوابت المقدسة للأمة العربية في مثل هذا الوقت بالذات التي تعمل حكومات عربية على تجاهلها، بل وطمسها، وتنظر الى اسرائيل كحليف مستقبلي. الم تحظ اسرائيل بالمديح من قبل بعض الاقلام العربية في ظل عمليات التحشيد المستمرة والمتصاعدة ضد ايران هذه الايام؟ وهو مديح موثق وقع بردا وسلاما على الآذان الاسرائيلية في فلسطين المحتلة، ووصلت اصداؤه الى واشنطن واللوبي الاسرائيلي فيها، باعتباره نقطة التحول الرئيسية في الوطن العربي التي ينتظرها هؤلاء جميعا.
' ' '
انتقدنا تركيا عندما قبلت طائرة اغاثة اسرائيلية لمساعدة ضحايا زلزالها الاخير، واعتبرنا هذه المواد الاغاثية الاسرائيلية اهانة لهؤلاء الضحايا، خاصة ان تركيا لا تحتاجها، وسنتخذ الموقف نفسه دون تردد في مواجهة اي حكومة عربية تنظر الى اسرائيل كصديق، او تقيم تحالفا معها بحجة مواجهة الخطر الايراني.
الشعب السوري البطل الذي قدم آلاف الشهداء من اجل التصدي للمشروع الاسرائيلي، وتحرير الاراضي المقدسة، وخسر هضبة الجولان ،الجزء العزيز من ارضه، ومستعد ان يخسر الكثير من اجل هذا الهدف السامي، واحتضن المقاومة، لا يمكن ان يقبل مجرد التفكير بمساعدة ليبرمان او غيره من الذين اهانوا الأمة وكرامتها واحتلوا ارضها، ويعملون على تدميرها وكسر شوكتها.
الاحتلال الاسرائيلي للارض العربية هو اساس البلاء في المنطقة، ولن تستقر او تنعم بالأمن والسلام والاستقرار الا بزواله.
نتحدث بلغة 'خشبية' في نظر البعض.. نعم.. ولكنها لغة الكرامة والعزة، فلا كرامة للأمة كلها وهذا الاحتلال مستمر.