سلفيون وبعثيون يتبارزون في مهاجمة الأسد وتأييده والأسير يطمئن المسيحيين: نطلب الحماية منكم

بيروت - منال أبو عبس


اجتاز لبنان أمس، امتحاناً أمنياً ظن كثيرون أن نتيجته ستأتي قاسية على البلد ومستقبل الحريات فيه. فالاعتصامان المتضادان اللذان نفذا على بعد مئات الأمتار من بعضهما بعضاً في وسط بيروت أمس، وحمل أولهما لواء نصرة الثورة في سورية ودعم الأقصى بدعوة من الشيخ السلفي أحمد الأسير، في حين حمل الثاني لواء نصرة النظام السوري ودعا إليه laquo;حزب البعث العربي الاشتراكيraquo;، بدوا كأنما يجريان في بلدين في عالم آخر، تفصل بينهما سواتر من الأسلاك الشائكة ومن أجساد عناصر مكافحة الشعب والجيش وقوى الأمن. وبدا صوت المتظاهرين أنفسهم عصياً على الوصول من مكان تجمع إلى آخر، فراحت هتافات laquo;حرية للأبد غصباً عنك يا أسدraquo; وthinsp;laquo;الله. سورية. بشار وبسraquo;، تعلو لتضيع في الهواء الفاصل بين الطرفين، فلا يصل منها إلا مقتطفات وكلمات متناثرة من ساحة إلى أخرى. وزير الداخلية مروان شربل جال بين الساحتين، معرباً عن فرحه بـ laquo;النصر الأمنيraquo; الذي أدت إليه إجراءات اتخذت على مداخل بيروت وفي بعض أحيائها laquo;الاستفزازيةraquo;.

فأمس، عادت إلى وسط بيروت صورة تشبه صور عام 2005 وتظاهرتي 8 و14 آذار الشهيرتين، حين رفعت الأولى شعار laquo;شكراً سوريةraquo;، بينما نادت الثانية بـ laquo;الثأر من لحود وبشارraquo;، وإن كان عدد متظاهري أمس أقل بما لا يقاس، إذ قدر مطلعون عدد المشاركين في تظاهرة السلفيين بنحو ألف و700 مشارك، بينما بلغ عدد المتظاهرين في المقابل نحو 300. في حين فاق عدد الأمنيين الألفي عنصر، مع مواكبة مباشرة من كبار الضباط في الجيش وقوى الأمن الموجودين في وسط بيروت.

وكان المشاركون في تظاهرة السلفيين بدأوا التوافد إلى الساحة قبل الواحدة ظهراً، وهو الموعد المحدد لتظاهرة السلفيين التي بدا لافتاً فيها مشاركة المطرب فضل شاكر والداعية عمر بكري، ومعظمهم جاء من صيدا، معقل الأسير أمام مسجد بلال بن رباح، وانضم إليهم مؤيدون وسلفيون من الشمال، إضافة إلى سوريين معارضين للنظام. وتجمع المتظاهرون في ساحة الشهداء، رافعين رايات سود وأعلام الاستقلال السوري وصورة لرؤساء سورية والصين وروسيا وكلمة laquo;قتلةraquo;، ولافتات بالعربية والإنكليزية كتب على بعضها laquo;فلسطين فتحها عمر وحررها صلاح الدينraquo; و laquo;يا ظالم ويلك. مزبلة التاريخ بيتكraquo; و laquo;فيتو أميركي+ فيتو روسي= الضحية نحنraquo;، كما هتفوا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، مطالبين بدعم الثورة في سورية. وشارك في التظاهرة (ركن خاص بهن) عدد كبير من النساء بينهن كثيرات منقبات، وأطفال حملوا وروداً بيضاً وزعوا بعضها على القوى الأمنية. وانتشر بين المتظاهرين شبان ارتدوا قبعات صفراً عليها كلمة laquo;انضباطraquo; وشكلوا سداً أمام القوى الأمنية لمنع المشاركين من محاولة الاقتراب من مكان التظاهرة المقابلة، كما عملوا على ضبط الهتافات والتحركات في ما بدا انه اقتباس لعناصر الانضباط في laquo;حزب اللهraquo; خلال نشاطاتهم.

وتحدث فضل شاكر إلى الإعلاميين، ودعا الجميع إلى laquo;المشاركة لنصرة إخواننا المظلومينraquo;. وقال: laquo;واجبي كفنان أن أكون هناraquo;، وسأل الفنانين: laquo;لماذا لا تشاركون، ألا ترون الإجرام وقتل الأطفال، الناس تذبح، والله ينتقم من المجرم الكبير ومن أعوانهraquo;، ودعا رداً على سؤال عن الفنانين المؤيدين للأسد، الله إلى أن laquo;يحشرهم معهraquo;، وقال إنه سيذهب إلى سورية laquo;عندما ينتصر المجاهدونraquo;.

ووجه الاسير كلمة إلى المتظاهرين اتسمت بالاعتدال والانفتاح على المسيحيين في لبنان والمنطقة، واستهل كلمته بتحية laquo;أهلنا في الشام المذبوحة وفي فلسطين المحتلةraquo;، كما شكر الأجهزة الأمنية laquo;التي واكبت تحركنا منذ منتصف الليلraquo;. وقال: laquo;هناك آلاف القتلى والمشردين والمبعدين في حمص، ثم يقال لنا لماذا تتحركون وتجتمعون. نحن أمة ما زالت فيها حياةraquo;. وتابع: laquo;إذا ظن الظالمون المتكبرون من الحكام الظلمة أنهم داسوا على كرامتنا منذ أمد بعيد، ينبغي عليهم ألا يتكلوا على ذلك، فإن الله أخرج أطفال درعاraquo;.

وأضاف: laquo;بشار (الأسد) صدق وهو كذوب مرتين (وهنا قاطعته هتافات لعمال سوريين: ما منحبك. ما منحبك. ارحل عنا أنت وحزبك) فهو صدق عندما قال إن سورية وأحداثها ليست كغيرها. وهذا صحيح، أحداث سورية أسقطت الأقنعة التي لطالما خدعتنا. والمرة الثانية التي صدق فيها عندما قال إنها مؤامرة عالمية على سورية. وهذا صحيح. إنها فعلاً مؤامرة عالمية على سورية الشعب (وهنا أيضاً قاطعته هتافات: الله محيي الجيش الحر. فطلب من الهاتفين التوقف) وهذه قلناها منذ بداية الحراك، وإلا لماذا كلما ازداد القتل في سورية خرج علينا من رموز المجتمع الدولي من يقول إن لا تدخل عسكرياً في سورية. أصلاً نحن لا نعول على تدخلكم، لكن من باب بيان الحق وحقيقة المؤامرة تريدون طمأنة بشار وهو يقتل بأنه لا حسيب عليك ولا رقيب؟ ماذا تقول رسالتك إلى الشعب السوري الأعزل؟ تقول له إن لا حول لك ولا قوة، ولا سبيل لك إلا التوجه إلى السلاح فتثبت ادعاء بشار الكاذب بأنه يقاتل مسلحين ويطول أمد الأحداث ثم يأتي المجتمع الدولي فيفرض تسوية على الشعب الحر السوري، لكن الله خلق عدوى بدأت مع أطفال سورية إرادة لا تنكسر أمام الظالم الفاجرraquo;.

وتابع الأسير: laquo;نقول لأقصانا ابشر، بدأت الطريق بالتعبد. ستتحرر عاجلاً أم آجلاً، لكن علينا أن نحرر أنفسنا أولاً وأن نستعيد كرامتنا وندوس على الطغاة أولاًraquo;. واعتبر أن laquo;تهويد الأقصى أسقط القناع عن المجتمع الدوليraquo;، واصفاً laquo;مجلس الأمن بالمجلس الذي يحمي مصالح الدول الغربية، والأمم المتحدة هي متحدة على أجسادنا وأعراضنا ودمائناraquo; (فقاطعته هتافات: خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود). وناشد laquo;كل شريف وحر في هذه البلاد من المسلمين ومن غيرهم، من شركائنا ليس فقط في لبنان بل في كل المنطقة، من أشراف وأحرار المسيحيين كذلك. لا نريد تحرير الأقصى وحسب بل تحرير كنيسة القيامة وكنيسة المهدraquo;.

وخاطب laquo;إخواننا في الإنسانية وشركاءنا في هذه المنطقة المسيحيين- واعذروني لست أهلاً بنصيحتكم لكنني لا بد أن أقولها وهي كلمة حق- انتم لا تطلبون الحماية من أحد، بل نحن نطلب منكم الحماية من خلال بقائكم وصمودكم معنا في هذه المنطقة، لأن المشروع الصهيوني يريد تفريغ المنطقة منكم، كي تتشوه صورة الإسلام. ونحن تربينا على الإسلام الذي كان فيه باب المسجد لا يبعد إلا أمتار عن باب الكنيسة. ثم يأتي الجزار بشار ليزرع الوهم والخوف في قلوب المسيحيينraquo;. وناشد laquo;الشباب المسيحي بخاصة في لبنان: إياك والهجرة. اصمد ورابط. بلدك تحتاجك على رغم أنف بشارraquo;. واختتم كلمته مكرراً الاعتذار إلى القوى الأمنية، وقال: laquo;الله يشهد أننا دخلنا الطريق السلمي، لكن العابثين هددوا وعكروا، هداهم الله أو أراحنا منهمraquo;.

وقبل تفرق المتظاهرين، توجه شربل إلى ساحة الشهداء وجال بينهم، بعدما كان جال في التظاهرة المقابلة، وأكد أن laquo;ما يحصل تعبير ديموقراطيraquo;، وقال: laquo;المعتصمون لبنانيون، هم يختلفون بالرأي وما من مشكلة، كل فريق لديه حرية التعبير لكن لا يجب أن نختلف من أجل غيرنا. نتمنى ألا تكون هناك تظاهرات في المستقبل، وليعبر الجميع عن رأيه في شكل حضاريraquo;.

اعتصام laquo;البعثraquo;

وعلى بعد أكثر من مئة متر من ساحة الشهداء كان اعتصام مناصري laquo;البعثraquo; وأحزاب حليفة وعمال سوريين دعماً للنظام السوري أمام مبنى اللعازارية أولاً، ثم انتقلوا إلى ناحية قرية الصيفي، حاملين أعلام سورية وصور بشار. كما رفعوا لافتات تندد بقادة عرب ومزقوا صورة للنائب وليد جنبلاط مشبهين إياه بموشي دايان. وانضمت إلى المتظاهرين سيارة تبث عبر مكبرات صوت أغاني تأييد للرئيس السوري.

وتحدث الأمين القطري لـ laquo;البعثraquo; فايز شكر، وقال إن laquo;شعبي سورية ولبنان شقيقان حقيقيان على رغم أنف الكارهيـن. ولبنان جـزء من هذه الأمة وفيه الكثير من المناضلين والمواطنين الحريصين على وحدتهraquo;، وانتقد laquo;الجماعات الأصولية المتطرفة التي عنوانها هذا المسخ في هذه الساحة التي دنسها وأمثالهraquo;.

وانتقد laquo;المطرب الصغير الذي لا أعرف اسمه، والذي يهددنني. نحن لا يخيفنا هو ولا جماعته ولا هذه المجموعات الإرهابيةraquo;.

ومع انتهاء تظاهرة السلفيين، غادر متظاهرو laquo;البعثraquo; معلنين أن تظاهرتهم جرت تحت شعار laquo;ساحة في مقابل ساحةraquo;، في حين أعلن الأسير أن تظاهرة الأمس لن تكون الأخيرة.