وحيد عبد المجيد

يخوض الإسلاميون في مصر الانتخابات الرئاسية التي ستجري جولتها الأولى يومي 23 و24 مايو المقبل، متنافسين مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في نهاية العام الماضي.
فبعد استبعاد كل من أبو إسماعيل والشاطر من القائمة النهائية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية، كان مفترضاً أن يصبح محمد مرسي، رئيس quot;حزب الحرية والعدالةquot; الذي أسسه quot;الإخوان المسلمونquot;، المرشح الرئيسي للتيار الإسلامي بمختلف أطيافه، لكن تأييد القسم الأكبر من التيارات السلفية للمرشح أبوالفتوح، المنشق عن quot;الإخوانquot;، أعاد إنتاج الانقسام الذي حدث في الانتخابات البرلمانية، رغم أن الأخير لا يعتبر مرشحاً إسلامياً؛ لأنه يحظى بمساندة من آخرين في التيارات الليبرالية واليسارية. كما أن هناك مرشحاً إسلامياً آخر هو سليم العوا، لكن فرصه ضعيفة ونصيبه من أصوات الإسلاميين والمتعاطفين معهم سيكون محدوداً، وفقاً لمختلف المؤشرات، إلى حد أن معظم أعضاء quot;حزب الوسطquot; الذي استلهم بعض أفكاره، أعلنوا دعم أبوالفتوح.

ويتميز هذا المرشح المنشق على quot;الإخوان المسلمينquot; بتبنيه برنامجاً انتخابياً يعبر عن مشروع وطني عام، لذلك فهو يحظى بدعم بعض رموز التيارات الليبرالية والقومية واليسارية، ويشارك بعض شباب هذه التيارات في فريق حملته الانتخابية، فضلاً عن أنه يلقى قبولاً لدى فئات وشرائح سياسية واجتماعية مختلفة بما في ذلك قطاعات من المسيحيين المصريين. لذلك لا يمكن اعتباره مرشحاً للتيار الإسلامي وحده، رغم أن معظم الأصوات التي يُتوقع أن يحصل عليها ستأتي من تيارات إسلامية. فإلى جانب القوى السلفية التي تسانده، فالمرجح أن يحصل أبو الفتوح على نسبة من أصوات جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; يصعب تقديرها الآن، خصوصاً من أبناء جيله الذي أعاد بناء هذه الجماعة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومن الأجيال التالية. لكن هذه النسبة لن تكون كبيرة.

كما يُحتمل أن يحصل على نسبة من أصوات الجماعات السلفية الصغيرة المؤيدة للمرشح الإسلامي السلفي المستبعد من الانتخابات أبو إسماعيل. فهذه جماعات ذات طابع راديكالي، وتختلف كثيراً عن جماعة quot;الإخوانquot; والجماعات والأحزاب السلفية الكبيرة ذات الطابع التقليدي.

لكن هذه الأصوات الإسلامية ستصب مع غيرها من الأصوات، التي ستكون أقل عدداً بالضرورة، في مشروع وطني عام. كما أن احتمال فوز أبوالفتوح في الانتخابات، سيكون خسارة للتيار الإسلامي الرئيسي، وهو جماعة quot;الإخوانquot; التي كان قلق قيادتها من حصوله على كثير من أصوات أعضائها أحد عوامل تراجعها أخيراً عن قرارها السابق بعدم خوض غمار الانتخابات.

وتبدو الانتخابات الرئاسية على هذا النحو وللوهلة الأولى بمثابة إعادة إنتاج لانتخابات مجلسي الشعب والشورى من حيث انقسام الإسلاميين. فقد خاض الإسلاميون الانتخابات البرلمانية منقسمين ومتنافسين، بل كانت المعركة الرئيسية فيها بين quot;الإخوان المسلمينquot; الذين حصلوا على نحو 45 في المائة من مقاعد مجلس الشعب والسلفيين الذين نالوا حوالي 24 في المائة منها موزعة على ثلاثة أحزاب أكبرها quot;حزب النورquot; الذي قاد تحالفاً ضم حزب quot;البناء والتنميةquot; الذي أسسته quot;الجماعة الإسلاميةquot; وحزب quot;الأصالةquot;.

وكانت هذه المعركة بين quot;الإخوان المسلمينquot; وحزبهم quot;الحرية والعدالةquot; من ناحية والتحالف السلفي بقيادة quot;حزب النورquot; من ناحية أخرى، هي الأكثر حدة في الانتخابات البرلمانية، رغم أن طرفيها تجمعهما المرجعية الإسلامية.

ومع ذلك، خرج الإسلاميون رابحين في الانتخابات البرلمانية التي خاضوها متنافسين، رغم أنهم دخلوا في معارك quot;كسر عظمquot; بين مرشحيهم في كثير من الدوائر. لكن اختلاف طابع الانتخابات الرئاسية يحول دون التأكد من سلامة الافتراض الذي قد يبدو منطقياً في ضوء تجربة الانتخابات البرلمانية، وهو أن انقسام الإسلاميين فيها لا يقلل فرصتهم في الفوز، كما حدث في مجلسي الشعب والشوري.

لكن هذا الافتراض يبدو ضعيفاً في الواقع وفق المعطيات الراهنة. فتأثير الجماعات والأحزاب والقوى المنظمة بل شديدة التنظيم، يقل في الانتخابات الرئاسية؛ لأنها تقوم بدور الوسيط بين مرشح وناخبين لا توجد صلة مباشرة تربطه بهم. ويختلف ذلك في الانتخابات البرلمانية، حيث يكون لهذه الجماعات والأحزاب مرشحوها الموجودون في الدوائر الانتخابية بالقرب من الناخبين. لذلك تكون قدرة الجماعات المنظمة على حشد الناخبين لمصلحة مرشحيها في الانتخابات البرلمانية أكبر منها في معركة الرئاسة التي لا تضمن هذه الجماعات فيها إلا أعضاءها وأنصارها المباشرين. لكنها لا تستطيع ضمان أصوات الناخبين العاديين الذين تتمكن من حشدهم بسهولة وراء مرشحين يعرفهم هؤلاء الناخبون في معظم الأحوال في الانتخابات البرلمانية.

ويُضاف إلى ذلك التراجع الذي بدأ المراقبون يلمسونه في شعبية الإسلاميين، خصوصاً quot;الإخوان المسلمينquot; الذين يشكَّل معظمهم القاعدة الأساسية للمرشح الإسلامي المنتمي إليهم، خلال الشهرين الأخيرين. ويعود هذا التراجع إلى الإحباط الذي يشعر به كثير ممن انتخبوا الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية وراهنوا على أنهم سيحلون الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي ترهق الناس في مصر وتجعل حياتهم جحيماً. وساهم الإسلاميون بدعايتهم المفرطة في خلق ثورة توقعات هائلة لا بد أن يترتب عليها إحباط حين يجد من توقعوا حل مشكلاتهم أن هذه المشكلات تزداد ولا تقل.

كما يرتبط التراجع في شعبية الإسلاميين بوجود انطباع عام بأن شيئاً من الغرور أصابهم بعد فوزهم الكبير في الانتخابات البرلمانية. ولعب الإعلام دوراً مهماً في توسيع نطاق هذا الانطباع من خلال الحملات التي شنّها كثير من القنوات الفضائية والصحف على quot;الإخوانquot; خاصة والإسلاميين عامة.

لكن الطامة الكبرى كانت في تراجع quot;الإخوانquot; عن تعهدهم الذي التزموا به في 10 فبراير 2011 بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي دعم الانطباع بأنهم لم يسلموا من آفة غرور القوة، وخلق انطباعاً آخر بأنهم يسعون إلى الهيمنة على مختلف مؤسسات الدولة أو ما يُطلق عليه إعلامياً quot;التكويشquot;.

لذلك، لا يمكن استبعاد احتمال خسارة الإسلاميين المعركة الرئاسية بعد إخفاقهم في التوافق على مرشح واحد، رغم فوزهم في الانتخابات البرلمانية وهم منقسمون أيضاً.