كتب: Sarah Chayes


Los Angeles Times

كانت عائلة بن علي تملك حصصاً في عدد من الفنادق المنتشرة في منطقة قليبية بما في ذلك فندق أصفر بناه مستثمر إيطالي، لا يزال يعمل وفق نظام مغلق يطبع قطاع السياحة في تونس: لا يُسمَح للتونسيين بالذهاب إلى شاطئه، ولا يوظف الفندق أي شخص تونسي.
بعد عام على الربيع العربي، يتركز الانتباه على مسألة واحدة طغت على جميع القضايا الأخرى: مكانة الممارسات الدينية في الحياة العامة. في تونس حيث بدأت الانتفاضة، تزداد مظاهر النساء اللواتي يرتدين في الشوارع حجاباً كاملاً يغطي الوجه والجسد بالإضافة إلى ارتداء القفازات أيضاً، وهو مظهر غريب بالنسبة إلى السكان المحليين والجهات الخارجية في آن. كذلك، تبدو المعارضة العلمانية أكثر اقتناعاً الآن بأن الحكومة الإسلامية تجرّ البلد إلى أسلوب حياة إيران.
لكن لم يكن الدين هو الذي أطلق شرارة ثورة الياسمين، بل الظلم الاقتصادي الحاد والفساد المستفحل الذي أدى إلى تفاقم ذلك الظلم. قد يتوقف مصير تونس والدول المجاورة لها على طريقة معالجة هذه المشكلة العالقة.
في العادة، يسهل رصد المباني التي كان الدكتاتور السابق زين العابدين بن علي يملك فيها حصصاً في تونس، فهي ملفتة للنظر. في الشهر الماضي، احتشدت مجموعة صغيرة من المحتجين أمام أحد تلك المباني، وكان عبارة عن فندق أصفر اللون يطل على الشاطئ في بلدة قليبية.
قليبية هي موطن المواقع الأثرية الرومانية والبونية الشاسعة، وهي تتميز أيضاً بشواطئ رملية بيضاء ناعمة ويمكن سماع صوت حفيفها تحت الأقدام عند التنزه عليها. أما الواجهة البحرية، فهي تشكل نوعاً من الموارد المهمة التي كانت عائلة بن علي تحب استغلالها لتحقيق أرباح شخصية.
كانت عائلة بن علي تملك حصصاً في عدد من الفنادق المنتشرة في هذه المنطقة، بما في ذلك الفندق الأصفر الذي بناه مستثمر إيطالي. كان هذا الفندق ولا يزال يعمل وفق نظام مغلق يطبع قطاع السياحة في تونس: لا يُسمَح للتونسيين بالذهاب إلى ذلك الشاطئ، ولا يوظف الفندق أي شخص تونسي باستثناء عدد محدود من الحراس، ولا يشتري أي منتجات أو أغذية تونسية (ولا حتى زيت الزيتون المحلي اللذيذ!)، بل يتم شحن جميع المنتجات من إيطاليا.
يقوم الفندق الآن بالتخلص من الرمال الصفراء الخشنة في جزء من مساحة الشاطئ لحماية أقدام السياح من الاصطدام بأي تكوينات صخرية.
قد لا يبدو هذا التجاوز خطيراً ولكنه يجسد نزعة الاستيلاء على الموارد العامة واقتناص الفرص المالية كي يغتني المسؤولون داخل النظام مع أن هؤلاء هم من أشعلوا الانتفاضة في السنة الماضية.
في عهد بن علي الدكتاتوري، كانت مظاهر القمع الجسدي والتعذيب والخطف مألوفة. كان النظام يرتكب أعمال القمع عبر سياسة تدخل تقوم على فساد الدولة.
بسبب هذا الوضع تحديداً، عمد الناشطون التونسيون إلى ابتكار مسارات جديدة في عقيدة حقوق الإنسان. هم يسعون إلى توسيع مفهوم ldquo;الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسانrdquo; كي يشمل الجرائم الاقتصادية المنهجية، ويريدون أن يتحاسب مرتكبو تلك الأعمال على جرائمهم أمام الرأي العام كجزء من عملية العدالة الانتقالية، كتلك التي حدثت في جنوب إفريقيا أو رواندا وركزت على الانتهاكات الجسدية.
تشمل الحكومة التونسية الجديدة وزير ldquo;الحكم ومكافحة الفسادrdquo;. إنها وزارة مبتكرة حتماً، لكن يشعر الناشطون بالقلق من أن يكون إنشاؤها مجرد استعراض ظاهري من دون وجود جوهر حقيقي لتلك الخطوة.
بعد أسابيع على إسقاط بن علي، نشأت لجنة تشمل محاسبين عامين وخبراء في تعقيدات الشؤون الإدارية أو قانون العقارات، وتولى هؤلاء التدقيق بخمسة آلاف شكوى تقريباً. كشف التقرير الذي نشرته اللجنة في شهر نوفمبر عن وجود نظام واسع من الفساد المنظم كان يفيد أنسباء بن علي والمقربين منه في جميع المجالات: الحصول على حصص في أكثر الشركات ربحاً، والإعفاء من الرسوم الجمركية، وامتلاك الأراضي العامة. أصبحت المؤسسات الحكومية، مثل السلطات الضريبية والسلك القضائي وحتى البنوك الخاصة، أدوات قمعية. بالتالي، كان يمكن أن يواجه المديرون التنفيذيون الذين يعصون الأوامر تدقيقاً لحساباتهم أو أن يُحرَموا من قروضهم أو يمكن أن تُلغى صلاحياتهم.
طرحت اللجنة أدلة بشأن 400 قضية أُحيلت إلى المحاكم. لكن وفق العضو أمين غالي، تقل القضايا التي خضعت للتحقيق في السلك القضائي الذي يعج حتى الآن بالموالين لِبن علي.
أوضح غالي: ldquo;نحن لا نُعتبر أولوية بالنسبة إلى أحدrdquo;. ثم عرض أمثلة عن إهمال الحكومة الراهنة: ldquo;لا نملك أي معدات في المكاتب أو أي مركبات في خدمتنا، ولا نملك أي صلاحية لاستدعاء الشهود أو حمايتهم. يبدو أن الأعضاء الذين يكونون موظفين في الحكومة لا يشعرون بالراحة عند تأدية واجباتهم العادية بل إن عملهم يبقى هامشياً. نشعر بأن الحكومة لا تأبه بنجاحناrdquo;.
يخشى كثيرون أن تُقدم النخبة السياسية الراهنة، بما في ذلك قيادة الحزب الإسلامي الحاكم، على إعادة إحياء البنى والممارسات القديمة بما يخدم مصلحتها الشخصية. تشمل الأحكام التي تم تمريرها حديثاً في ميزانية هذا العام استرجاع مخابئ بن علي للأرباح المكتسبة بطريقة غير شرعية مقابل مساهمة مالية معينة. يحذر توفيق شاماري من شبكة مكافحة الفساد الوطنية من أن ldquo;الخطر الحقيقي يكمن في الحفاظ على نظام الفساد نفسه بعد تشريعه من جانب مستفيدين جددrdquo;.
الفساد ليس مسألة ظاهرة للعلن بقدر حجاب المرأة. لكن عندما تصبح هذه الظاهرة مستفحلة لدرجة أنها تسيطر على الدولة عبر شبكة إجرامية منظمة، كما حصل في تونس ومصر، قد يتفجر غضب الشعب. ما لم تستغل تونس هذه اللحظة التاريخية بعد الثورة لفرض مبدأ المحاسبة، يتوقع الكثيرون هنا أن يزداد الشعب المستاء تطرفاً وأن يميل إلى تفسير الإسلام بطريقة متزمتة لفرض مسار لم تؤمنه الديمقراطية بعد الثورة.
يشير مثال الفندق الأصفر إلى أهمية تحركات الغرب، بشكل مباشر أو غير مباشر. يجب أن يساهم دعمنا للدول العربية في المرحلة الانتقالية وسلوكنا كمستثمرين وزوار في كسر العادات القديمة التي تعزز مظاهر الفساد.


* كاتبة في مجلة ldquo;أوبينيونrdquo; (Opinion)، ومسؤولة في معهد كارنيغي للسلام الدولي، ومؤلفة كتاب ldquo;عقاب الفضيلة: داخل أفغانستان بعد طالبانrdquo; (The Punishment of Virtue: Inside Afghanistan After the Taliban).