محمد كريشان

رئيس صوّت له قرابة نصف الناخبين وعارضه نصفهم الآخر، بصلاحيات محدودة قلــّمت أظافره، لا أغلبية برلمانية تسند ظهره، على رأسه مجلس عسكري شبه محصّـن ويحتفظ بسلطات تشريعية واسعة. في مثل هذا الوضع لن يستطيع محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة المنبثق عن حركة الإخوان المسلمين أن يفعل المعجزات لكنه قادر، بقليل من الحكمة والكثير من البعد عن العصبية الحزبية، أن يحـوّل ضعفه إلى قوة. هذا هو رهانه الحقيقي.
عديدون في مصرمن أمثال الناشطة السياسية نوارة نجم ينصحون 'الإخوان' بألا ينسوا أنفسهم وأن يتذكروا كل يوم أن الناس صوتوا لمرسي لكي يخسر شفيق لكنهم ليسوا فرحين بفوز الجماعة. وتبعا لذلك، بات التوافق الوطني 'فرض عين'، كما قال وائل غنيم أحد شباب الثورة.
'الدولة العميقة' كما تسمى في الأدبيات الياسية، أي المؤسسات العسكرية والأمنية والمخابراتية الكبرى للدولة وطبقة الإداريين الضخمة مع تحالفاتها الاجتماعية والاقتصادية، لن تترك مرسي يعمل كما يريد أو يوجه البلاد كما يحـلو له. لهذا تحديدا، عليه أن يوسع قاعدته الشعبية ليخرج بها من دائرة الملتحين والمحجّبات لتلامس أوسع الفئات الاجتماعية والعائلات الفكرية المختلفة للبلاد بمن فيها تلك التي تتوجس من الإسلاميين ونموذج المجتمع الذي يبشرون به. الأفضل لمرسي وللإخوان، وقبل ذلك وبعده، الأفضل للبلاد جميعا أن يضع الرئيس الجديد نصب عينيه من الآن أن يكون رئيسا مؤقتا لمرحلة انتقالية يحاول أن يؤمـّن لها كل شروط النجاح. بهذه العقلية سيكون مرسي رئيسا لكل المصريين، كما وعد هو نفسه، وبالتالي سيكون قادرا على السير بهم ومعهم بالبلاد تدريجيا نحو إرساء قواعد حياة سياسية جديدة عبر سن دستور جديد توافقي وتنظيم انتخابات برلمانية جديدة من الأفضل أن تعقبها انتخابات رئاسية جديدة.
إن استطاع مرسي أن يفعل ذلك، بعد أن يكبح شبق الإسلاميين الرهيب إلى الهيمنة على السلطة، فسيسجل له أنه الإسلامي الذي نجح في نزع عباءته الحزبية لمصلحة البلد بأكمله عبر العمل الدؤوب مع الجميع، الخصوم قبل الأنصار، لإخراجه من نفق المناكفات القانونية والسياسية إلى بر الاستقرار وتحريك التنمية الكفيلة بتغيير واقع اجتماعي واقتصادي بائس. أكثر من ذلك، بإمكانه أن يحول نقاط الضعف التي أحيط بها منصب الرئاسة بفعل التعديلات الأخيرة للعسكر على الإعلان الدستوري إلى نقطة قوة حين يؤمن حوله أوسع التفاف شعبي ممكن لإنجاز بعض أهداف الثورة الكثيرة بعيدا عن منطق الإسلاميين التقليدي في تصنيف الناس إلى أنصار خلـّص أو أعداء مريبين.
أما إذا ما سار مرسي بعكس المنطق الوطني العام واستمرأ التدثر الدائم بعباءة الإخوان المسلمين وسياساتهم المترددة أحيانا والانتهازية أحيانا أخرى فلن يجد إلى جانبه، لو سارت الأمور نحو المواجهة، سوى هذا التنظيم لا غير. كثير ممن صوتوا لمرسي غفروا للأخوان، عن مضض، الكثير من ممارساتهم في المرحلة السابقة لكنهم لم ينسوها، فإن كرروها فسيكون ذلك فراقا بين هؤلاء وبينهم. من جهة أخرى يجب ألا نغفل للإنصاف أن العديد يتلبسه مرض العداء المستحكم ضد الإسلاميين ولا يرون فيهم إلا كل شر مطلق. هؤلاء يراهنون على فشل مرسي وعدم قدرته على فعل أي شيء وبأن رأسه سترتطم بكل الصخور المعروفة والمجهولة قبل أن يصل إلى بر الأمان. لهذا فمرسي هو الوحيد القادر على أن يقرر إن كان سيسبح مع كثيرين نحو هذا البر أم يفضل السباحة منفردا. التنظيم الذي يقف وراءه قادر على دعمه في هذا التوجه تماما كما هو قادر على عرقلته بجعل الرئيس الجديد أسيرا دائما لهذا التنظيم وربما حتى لتوجيهات مرشده. هنا إما أن يعطي مرسي وجها معقولا لسياسة غير متشنجة ولا انفعالية، وفق ما يقدر عليه وما تتيحه له الظروف، وإما سيضاف لقائمة التجارب الفاشلة للإسلاميين... وهي ما شاء الله طويلة.