هاشم عبدالعزيز

لم يحتمل السودانيون الوحدة، ومن بين أبرز الأسباب التدخلات الخارجية التي ارتدت غير قناع . وعندما استقرت الحرب التي دامت سنوات عديدة مخلفة كارثة دمار طال آلاف الأبرياء شيوخاً وشباباً ورجالاً ونساءً وأطفالاً، على ما عرف بالمرحلة الانتقالية التي أفضت إلى الاستفتاء في الجنوب، وكان خيار أبنائه انفصال الجنوب عن الشمال وقيام دولتهم، بات السودانيون بالنتيجة في غير احتمال انفصالهم ولأسباب داخلية ترتبط بأمنهم واستقرارهم وحياتهم الطبيعية .

سنوات الحرب دارت على انقسام بين جنوب وشمال، إلا أن الخلافات متفاقمة وهي متداعية في شأن طائفة من القضايا العالقة والمعلقة بعبثية المفاوضات منذ ،1990 وفي أبرز هذه القضايا الاختلاف على ترسيم الحدود وتبعية منطقة أبيي وهي منطقة نفطية مغرية للداخل والخارج، وإلى ذلك الجنسية والعملة والخدمة العامة والوحدات الأمنية مدمجة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأصول والديون وحقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره والعقود والبيئة في حقول النفط والمياه والملكية، لمواجهة هذه القضايا كانت هناك مفاوضات مباشرة غير أن غياب الإرادة أفقدها الوصول إلى نتائج إيجابية، والأمر ليس مستجداً بل إن المفاوضات غير المثمرة تتواصل منذ 1990 .

الإشكالية الجديدة أن تلك المفاوضات توقفت أو انتهت لتحل بديلاً عنها المفاوضات القائمة برعاية إفريقية على أساس قرار مجلس الأمن ،2016 إذ يرى المراقبون أنه عوضاً عن تشجيع استمرار المفاوضات المباشرة والدفع بطرفيها للمضي إلى الأمام وتقديم المساعدات لتذليل المصاعب والعقبات، تصير المفاوضات الحالية أقرب إلى استهلاك للوقت وفي شأن قضايا تفترض المعالجة الجادة . على أن المسألة الأساس ليست قاصرة على هذا الrdquo;ترحيلrdquo; أو الهروب من مواجهة المسؤولية المشتركة بل هي إلى ذلك في سياسة كل طرف التعامل مع الآخر بما لديه من ثغرات .

الجنوبيون يلعبون من خلال الأطراف المتمردة في الشمال والأبرز حركة العدل والمساواة الإسلامية وهي ذات نزعة انفصالية، فيما يلعب الشماليون على الانقسامات التي شهدتها الجبهة الشعبية المسيطرة على مقاليد الجنوب راهناً وتولدت عنها حركات معارضة مسلحة . اللعبة على هذه الشاكلة تعني مسألتين، الأولى أن طرفي اللعبة إما في وفاق دونما اتفاق على عجز مواجهة المسؤولية أو أنهما في شراكة ldquo;استمرار هذا الوضع المدمر للسودان شماله وجنوبهrdquo;، وهو أمر لا يخدم البلاد والعباد بأي حال من الأحوال . الثانية أن الأحداث والتطورات التي يشهدها السودان منذ الإعلان عن انفصال جنوبه عن شماله أكدت أن قادة الشمال لم يعملوا من أجل الوحدة، فهم لم يقدموا على خطوات لجذب الجنوبيين إلى هذا الخيار بل إن السياسة الرعناء قادت الجنوبيين بجمعهم إلى الخروج من الوضع المؤلم ولو كان إلى المجهول . في المقابل لم يعمل قادة الجنوب ما من شأنه الإعداد للانفصال والبدء المباشر لبناء دولتهم الفتية .

الشيء المحسوب للطرفين أنهما أبقيا على كامل عناصر الصراع وتغذيته، وفي المحصلة حاجة السودان الآن الخروج من هذا الوضع البائس جنوباً وشمالاً لأن من شأن هذا إعادة الاعتبار لطبيعة هذا البلد وهي ثنائية تاريخية قائمة على الوحدة والانفصال في آن .