عبدالله جمعة الحاج

في قمة الرياض الأخيرة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على دول المجلس تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، فما هي هذه الاتحادية التي تمت الدعوة إليها من حيث المعنى والمفهوم؟ إن موضوع الاتحادية يدور أساساً حول سؤال سرمدي مفاده: كيف يمكن الحفاظ على التئام مناطق ذات مكونات بشرية وقومية ووطنية ودينية واقتصادية وعرقية ذات تعددية في بوتقة سياسية فعالة ذات استمرارية مع المحافظة على مصالح الجميع في ذات الوقت؟ الاتحادية فكرة قديمة جداً، ولكن في الوقت الراهن تعتبر اتحادات كالولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة وكندا وأستراليا وسويسرا من أنجح وأغنى أقطار العالم قاطبة، فهل يمكن تشكيل اتحاد جديد بين دول مجلس التعاون الخليجي؟

قبل الإجابة على التساؤل الأخير تجدر الإشارة إلى أن سؤالاً مهماً ينبثق من الطرح السابق يتعلق بكيفية نشوء الاتحادات لأن أصل الاتحادات التاريخي يؤثر في طريقة وضع دساتيرها ومحتوى تلك الدساتير وطريقة مزاولة العمل السياسي فيها، وفي الأحداث التي تقع لاحقاً لقيامها. إن الطريقة الأولى والمهمة لقيام الاتحاد تأتي عن طريق اتفاقية تكتلية تعقد بين الحكومات المتجاورة، ولكن هذه الطريقة قد لا تنجح بالضرورة إلا إذا اتخذت شكل كونفدرالية توافق الأقاليم المكونة لها على إنشاء هيئة مركزية تقوم بإرسال وفود إليها لتمثيلها فيها. وفي واقع الأمر لا يكون لدى الهيئة المركزية المنشأة تلك القوة أو الصلاحيات أو الموارد التي تستطيع من خلالها القيام بدورها كاملاً، ولا تكون قراراتها ملزمة بالضرورة لجميع الأعضاء، فهي لا تعتبر حكومة.
ولكن ما هو تعريف الاتحادية؟ إن كلمة اتحادي هي الأصل الذي اشتقت منه كلمة الاتحادية، ويعود أصلها إلى الدخول في عملية quot;توحيدquot; بمعنى ضم أجزاء متفرقة إلى بعضها بعضاً لكي تشكل كياناً واحداً. ويتواجد النظام الاتحادي حيث لا يكون البشر راغبين في تسليم جميع السلطات إلى حكومة مركزية. إن تعريفات الاتحادية متعددة، ويتضح ذلك مما أورده علماء السياسة في تعدد طرق تطبيقها، فبغض النظر عن كون الاتحادية لفظاً ذا وقع حميد ويعطي انطباعاً إيجابياً، إلا أنها قد تعني أيضاً شتى المعاني، فهي لفظ صعب التعريف. ويأتي جزء من تلك الصعوبة من الاختلاف بين الأقطار في الطريقة التي تطبق بها الاتحادية، وأبسط تعريف لها يقر بوجود مستويين من الحكومة يعتبران متساويين من الناحية الدستورية. ويلاحظ أن لفظ اتحاد يطلق على كل مجموعة تهدف إلى التوحد مع احتفاظها باختلافها عن الآخرين، كما تطلق على أية صيغة للجماعية والتعاون ما بين الأقطار والأمم المختلفة.

وعودة إلى التساؤل الخاص بإمكانية قيام اتحاد جديد ما بين دول مجلس التعاون فإن الأمر ممكن، لكنه يحتاج إلى دراسة مستفيضة وشاملة تسبق البدء فيه، وإلى الاتفاق المبدئي على شكل دستور الاتحاد، وإلى ترسيخ ثقافة سياسية اتحادية جديدة في عقول وأفئدة شعوب دول المجلس، وإلى ردم الهوة الموجودة بين دوله على الصعيد المجتمعي والانفتاح على الخارج وتقبل الآخر وثقافاته، وعلى الصعيد الاقتصادي ومستويات المعيشة ودخل الفرد، وإلى الاستعداد الذهني والنفسي لتحمل الكلفة المرتبطة بإقامة الاتحاد على صعيدي السيادة الوطنية والموارد الاقتصادية، وإلى الاتفاق المسبق على كيفية تمويل الميزانية الاتحادية ومن الذي سيتحمل عبء ذلك، وإلى الاتفاق على إقامة اتحاد خلاق يبتعد عن المركزية الشديدة، وإلى معرفة آراء كل شعب خليجي حول الرغبة الحقيقية في الاتحاد الجديد. وهذه جميعها قضايا تحتاج إلى الوقت والجهد والمال والصبر والمثابرة لكي يتم التوصل إليها، وهو مسار طويل جداً وربما يكون وعراً أيضاً.