صالح القلاب


عندما تطالب روسيا رعاياها بمغادرة الأراضي السورية وتجنُّب السفر إلى سورية فإن الأولى بها أن تبادر هي كدولة إلى سحب مستشاريها وخبرائها والآلاف من فنييها وضباطها من هذا البلد العربي، وأن تغلق قاعدتها البحرية في طرطوس، وأن تضع حدّاً لتدخلها السافر في شؤون دولة مستقلة ووقوفها إلى جانب نظام ديكتاتوري مستبد ضد شعب انتفض من أجل كرامته، ومن أجل أن يقرر مصيره بنفسه وينتقل ببلده من هذه الوضعية التي من المفترض أنها أصبحت صفحة مطوية منذ أكثر من عقدين من الزمن إلى مستوى معطيات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة. إلى ما قبل أقل من عامين كان وجود المواطنين الروس في سورية وفي معظم الدول العربية، إنْ ليسَ كلها، مرحّباً به، وكانت تحركات قطع البحرية الروسية في البحر المتوسط وبحر العرب والخليج العربي تبعث على الارتياح، أمّا بعدما وضع فلاديمير بوتين إمكانيات بلده العسكرية والدبلوماسية والمالية إلى جانب بشار الاسد في حربه ضد شعبه، فإنه أمرٌ طبيعي أن تطالب خارجية سيرجي لافروف رعاياها بمغادرة سورية وتَجَنُّبِ السفر اليها، لأن هؤلاء في حقيقة الأمر أصبحوا أهدافاً مشروعة لرصاص الجيش الحر ومقاتلي الثورة السورية.

ربما أن فلاديمير بوتين نفسه ضابط الـrdquo;كي جي بيrdquo; السابق واللاحق ومسؤول محطة هذا الجهاز، الذي أسسه ذلك المجرم لافرينتي بافلوفيتش بيريا، في ألمانيا الديمقراطية عندما كانت هناك حرب باردة وكان هناك اتحاد سوفياتي وكانت هناك ldquo;ألمانيا الديمقراطيةrdquo;، لا يعرف أن علاقات بلاده بسورية لم تبدأ مع وصول حزب البعث إلى السلطـة في الثامن من مارس عام 1963، بل هي بدأت قبل ذلك بكثير عندما كان ldquo;المليونير الأحمرrdquo; خالد العظم رئيساً للوزراء في أواخر أربعينيـات القرن الماضي في عهد شكري القوتلي حيث أبرم أول صفقة سلاح روسية-سورية. وهذا يعني أن روسيا قبل الاتحاد السوفياتي وخلاله وبعده بقيت مقبولة وبقي مواطنوها مرحباً بهم في سورية وفي معظم الدول العربية وهنا فإن هناك أسباباً كثيرة ومتعددة لهذا الأمر، وكل هذا مع أن موسكو كانت أول دولة تعترف بالدولة الإسرائيلية، ومع أنها فتحت أبواب الهجرة على مصاريعها لهجرة اليهود الروس إلى فلسطين. وهكذا فإن المؤسف أن تصرفات فلاديمير بوتين الطائشة، وإن السياسة الستالينية البائسة التي اتبعها بانحيازه إلى بشار الأسد في بطشه بشعب من المفترض أنه شعبه، قد اقتلعت كل هذه العلاقات الروسية-السورية التاريخية من جذورها، فأصبح المواطن الروسي غير آمن على حياته في بلد كان صديقاً حتى الأمس القريب، واضطرت خارجية سيرجي لافروف إلى إصدار هذه التعليمات الآنفة الذكر التي أصدرتها، وهذا يعني أنه قد يكون هناك يوم قريب يضطر فيه العرب والمسلمون إلى الاشتباك مع روسيا لا في الشرق الأوسط فقط، بل أيضاً في الشيشان وفي داغستان وفي كل مناطق القوقاز، بالإضافة إلى كل الجمهوريات الإسلامية التي كانت حتى بدايات تسعينيات القرن الماضي جزءاً من الإمبراطورية السوفياتية البائدة.