نتنياهو لإسقاط أوباما قبل ضرب إيران

عصام نعمان

أخيراً اقتنع بنيامين نتنياهو أن لا سبيل إلى ضرب إيران قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية . لاقتناعه بأسباب عدّة ليس أقلها أن إدارة أوباما أفهمته بالفم الملآن أن الولايات المتحدة لن تشترك في أي هجوم عسكري تشنه ldquo;إسرائيلrdquo; من جانبٍ واحد على منشآت إيران النووية . أكثر من ذلك، تأكد نتنياهو أن إدارة أوباما وجّهت، قبل أسبوع، رسالة سرية إلى إيران بواسطة دولتين أوروبيتين تستخدمهما واشنطن قناة اتصال مع طهران في إبان الأزمات، بأنها لا تنوي الدخول في حرب إذا ما قررت ldquo;إسرائيلrdquo; شن هجوم على إيران من جانب واحد ومن دون تنسيق معها، وأن واشنطن تتوقع في مثل هذه الحالة ألاّ تهاجم إيران أهدافاً استراتيجية أمريكية في الخليج، بما في ذلك القواعد العسكرية وقِطَع الأسطول الأمريكي وحاملات الطائرات . هذه الرسالة جاءت عقب تصريحات أدلى بها رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي، وشدّد في سياقها على ان الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; لن يتمكّن من القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وعلى أن الولايات المتحدة لا تنوي الاشتراك في أي حرب ldquo;إسرائيليةrdquo; ضد ايران . الرسالة الأمريكية صَدَمت نتنياهو، لكنها لم تحبطه . . بعد . فقد ثابر على الإيحاء بأن ldquo;إسرائيلrdquo; مازالت تستعد لتوجيه ضربة إلى إيران قبل أن تستكمل مناعتها العسكرية ضد الضربة المحتملة . لم يحدد نتنياهو تاريخاً لبلوغ إيران عتبة المناعة أو تاريخاً، ولو تقريبياً، لضربته الموعودة . تقصّد، بذلك، أن يحقق، في سياق تهديداته المستمرة، ابتزاز الولايات المتحدة في أمرين:

* الأول، استدراجها لإعطائه ldquo;تطميناتrdquo; بأنها مازالت جادة في الحؤول دون امتلاك إيران سلاحاً نووياً . في هذا المجال، كشفت صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; أن الرئيس باراك أوباما يدرس إمكان اتخاذ خطوات علنية وسرية ضد إيران تهدف إلى تهدئة روع ldquo;إسرائيلrdquo;، وإقناع رئيس حكومتها بعدم شن هجوم عسكري من جانب واحد على المنشآت النووية الإيرانية . نتنياهو أوحى بالتجاوب مع ما ذكرته الصحيفة الأمريكية بقوله: ldquo;كلما كان الخط الأحمر الذي تضعه الأسرة الدولية أمام إيران أكثر وضوحاً، فإن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية معها يصبح ضئيلاً أكثرrdquo; .

* الثاني، الحصول من إدارة أوباما على تعهدٍ، قبل انتخابات الرئاسة، بمنح ldquo;إسرائيلrdquo; طائرات خاصة لتزويد الوقود في الجو، وقنابل متطورة قادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض بعمق 60 متراً، كما التعهد بتنفيذ المزيد من العمليات السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، والتضييق على صناعة النفط الإيرانية . صحيفة ldquo;هآرتسrdquo; (4/9/2012) التي أوردت كل هذه التفصيلات، فسرت سبب تصريحات نتنياهو عن وضع خط أحمر أمام إيران، بأنه يعود إلى ldquo;وجود خشية في ldquo;إسرائيلrdquo; من إقدام الولايات المتحدة على توجيه إنذار علني إليها يحذرها من مغبة شن هجوم عسكري من جانب واحد على إيران، الأمر الذي من شأنه إلحاق أضرارٍ فادحة بقوة الردع الإسرائيليةrdquo; . كل ذلك لم يردع نتنياهو . . بعد . صحف ldquo;إسرائيليةrdquo; وفرنسية ومصادر معلومات أمريكية أشارت إلى أنه موغل في تحدي أوباما على خط آخر هو انتخابات الرئاسة، بل ضالع في حملة منظمة للحؤول دون فوزه تضم اليهود الأمريكيين وrdquo;المحافظين الجددrdquo; والأمريكيين الصهاينة بالتعاون مع اللوبي اليهودي النافذ ldquo;إيباكrdquo;، إضافة الى الحزب الجمهوري الذي تسيطر على قيادته شخصيات يمينية متطرفة، وقد نجحت في اعتماد ميت رومني مرشحاً للرئاسة عن الحزب، واليميني المتطرف بول ريان نائباً له .

أوباما محيط بمناورات نتنياهو وألاعيبه ودعمه العلني لرومني . صحيفة ldquo;معاريفrdquo; (4/9/2012) كشفت بقلم محللها السياسي عوفر شيلح أن الثري اليهودي الأمريكي شلدون أدلسن، المقرّب من نتنياهو، هو من كبار المتبرعين للمرشحين الجمهوريين، وفي مقدمهم رومني، وأن أوباما اعتبر ذلك تدخلاً ldquo;إسرائيلياًrdquo; فجّاً ضد إعادة انتخابه .

أوباما لم يتأخر في الرد، مزايداً على جميع سابقيه من المرشحين للرئاسة ديمقراطيينَ وجمهوريين، إذ أعلن بنفسه وبلسانه في أثناء تقبّل تسميته مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة، أن ldquo;القدس كانت وستبقى عاصمة إسرائيلrdquo; . المحللون السياسيون اعتبروا هذا الإعلان بمثابة طمأنة وترضية لليهود الأمريكيين ول ldquo;إسرائيلrdquo; .

مع العلم، أن برنامج الحزب الديمقراطي يتضمن شعاراً تقليدياً يرضي اليهود: ldquo; الرئيس أوباما والحزب الديمقراطي يحافظان على التزام لا يتزعزع بأمن إسرائيلrdquo; . إلى ذلك، يحرص أوباما على دحض اتهام رومني له بأنه ldquo;رمى ب ldquo;إسرائيلrdquo; تحت عجلات الحافلةrdquo;، بإقرار مزيد من العقوبات الشديدة لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي . وقد يعلن لاحقاً أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة خطوطاً حمراً لكبح البرنامج النووي الإيراني .

رغم ذلك كله يبقى أن نتنياهو أعاد النظر في جدول أولوياته، إذ لم تعد الأولوية لضرب إيران قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية . فقد أرجأ الضربة، على ما يبدو، إلى ما بعد الانتخابات . الأولوية أصبحت لإسقاط أوباما وحرمانه ولاية ثانية . لماذا؟ ldquo;لأنه إذا ما أعيد انتخابه فإن ذلك من شأنه تقييد يديّ ldquo;إسرائيلrdquo;، إذ لا يعود بحاجة إلى أصوات مؤيديهاrdquo;، كما جاء في صحيفة ldquo;معاريفrdquo; . هل يعقل أن يتمكّن رئيس ldquo;حكومة ldquo;إسرائيلrdquo; من إلحاق الهزيمة برئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟