سليمان تقي الدين
تنتظر الأزمة السورية محطة لقاء الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الروسي بوتين في يونيو/حزيران المقبل . خلال هذه الفترة يتم التصعيد العسكري على الأرض لخلق وقائع جديدة تخدم موقفي الطرفين في المفاوضات . يحاول النظام الإمساك بالمناطق الممتدة من جنوبي سوريا عبر دمشق إلى الساحل الغربي، وتحاول المعارضة اختراق هذه المناطق . يتزايد الضغط المتبادل على حمص بوصفها صلة الوصل والفصل، وتطول العمليات الحدود اللبنانية التي تشكل الظهير الخلفي لها . وفي مكان آخر تسعى المعارضة إلى تعزيز انتشارها في شمالي وشرقي البلاد على الحدود التركية والعراقية وكذلك يجري التحضير لشكل من أشكال التدخل عبر الأردن .
وعلى الصعيد السياسي كشفت مصادر مطلعة مهمة عن اتصالات إيرانية مع جميع أطراف ومكونات المعارضة، تمهيداً لاستطلاع الموقف في حال الوصول إلى حل سياسي أو في حال حصول اختلال كبير في التوازن العسكري لغير مصلحة النظام . تفسر هذه المصادر الحركة الإيرانية على أنها تسليم مستبق باستحالة بقاء النظام، بمعنى بقاء المجموعة القائدة من دون أن يعني ذلك تفكيك كل المؤسسات التي يرتكز إليها . ففي الموقفين الأمريكي والروسي هناك تسليم بضرورة الاحتفاظ بالمؤسسة العسكرية باعتبارها العمود الفقري للدولة السورية، وقد أظهر الطرفان هذا الموقف غير مرة، لكن الأمريكيين، ولا شك، يريدون حصة من هذه المؤسسة وربما يجدون في ldquo;الجيش الحرrdquo; جزءاً من هذه الحصة عندما يكون الحل بواسطة توحيد الجيش لاحقاً . ويظهر أن الإيرانيين منشغلون في مواقع نفوذهم المستقبلية، فهم يعرفون أن المزاج العام السياسي والشعبي ليس قريباً منهم وأن ما بذلوه من دعم وإمكانات لا يتجسد في قوة شعبية باستثناء أقلية طائفية بدأت تنفك عن النظام أمام احتمالات تعرضها لسيطرة مضادة . لا شيء في المدى المنظور يوحي باحتمال تسوية أو باحتمال حسم، بل إن مصادر النظام في سوريا لا تستبعد في أسوأ الأحوال قيام أوضاع تقاسمية للنفوذ على الأرض واستمرار ذلك إلى أمد طويل . فاللاعبون الإقليميون ليسوا في وارد إنتاج تسوية، أما الطرفان الأمريكي والروسي رغم بعض الأفكار المشتركة، فإن مصالحهما تمتد في كل المنطقة وكذلك إلى مواقع أخرى من العالم .
وليس من السهل الوصول إلى تسوية قريبة على صعيد كل الملفات، فهناك النفط والغاز وخطوط عبورهما، وهناك الملف النووي الإيراني والمسألة الفلسطينية، وهناك المواقع العسكرية من الدروع الصاروخية إلى القواعد العسكرية والتدخلات المتبادلة في حدود روسيا أو في الهند الصينية أو في شبه الجزيرة الكورية . فمن المتوقع أن تطول المفاوضات وأن تتشعب، خاصة وأن الأزمات الاقتصادية في العالم تضغط على نفوذ الدول الكبرى . ولطالما كان موضوع إدارة النظام المالي العالمي موضع اختلاف منذ عقد من الزمن وليس مع المتغيّرات في الشرق الأوسط . وفي هذا المستوى يبدو الوضع الاقتصادي العالمي كله في أزمة، رغم أن الروس والأمريكيين هما الأقل تضرراً . فالبلدان التي تعاني احتمالات الإفلاس هي مواقع نفوذ غربية (إيطاليا، اليونان، قبرص، مصر، إسبانيا)، فضلاً عن أن الدول التي شهدت متغيّرات سياسية تحتاج إلى دعم صندوق النقد الدولي الذي يمول أساساً من صناديق الدول الكبرى .
من الواضح كذلك أن الحرب في سوريا تحتاج إلى تمويل، وأن أطراف المعارضة ليست مسؤولة حتى الآن عن الأزمة الاقتصادية وهي تتلقى الدعم من أطراف تملك سيولة نقدية، بينما يشكل دعم النظام خاصة استنزافاً للطرف الإيراني الذي يعاني حصاراً وتتدنى قيمة عملته ويتعرض إلى مشكلات داخلية .
قد يفسر ذلك سبب التحرك الإيراني التفاوضي الأخير بعد أن تورطت إيران كثيراً في الملف السوري من دون طائل . في الظاهر يبدو أنها تقدم السلاح لكن إيران تواجه أوضاعاً سياسية ليست سهلة في سوريا والعراق وفي لبنان . فقد صار النفوذ الإيراني في خط التراجع أمام المعارك المفتوحة لزمن طويل . لذا يبدو مفهوماً عند ذاك سعي إيران إلى حصر خسائرها أو تحديد مواقع نفوذها . فلقد صار محسوماً أن النفوذ الإيراني يتوطن في البيئة الطائفية فقط، وتراجع بشكل كبير ذلك التصور الذي ساد فترة عن دور إقليمي قوامه محور متعارض مع السياسة الأمريكية والدولة العبرية . إن التفاوض الإيراني - الأمريكي رغم عدم بلوغه النهايات، فإنه يدل على سعي إلى تسوية أساسها الأمن القومي الإيراني ولا يمكن أن يتعدى ذلك في ظل هذا الصراع الدولي الكبير .
التعليقات