حاوره في القاهرة: أحمد فهمي

القاهرة منشغلة هذه الأيام بمشروع ldquo;سد النهضةrdquo; الإثيوبي، منذ إعلان أديس أبابا عن تحويل مجرى نهر النيل الأزرق مؤخراً، وبقدر غموض الموقف الإثيوبي الذي يزداد كل يوم، يزداد موقف القاهرة الرسمية والشعبية حيرة، مابين غضب شعبي متصاعد يرفض ما يجري في الهضبة الإثيوبية، وبين تمهل رسمي يتسم بالهدوء الذي يبلغ حد البرود .

وبين الغضب والبرود يأتي دور العلم والعلماء المتخصصين، وفي هذا الميدان يتفرد الدكتور عباس شراقي العالم الجيولوجي المصري بدراساته المبكرة عن الهضبة الإثيوبية، فله العديد من الأبحاث العلمية في هذا المجال، وكان أول من تناول مشروع ldquo;سد النهضةrdquo; الإثيوبي بحثاً ودراسة، منذ أن بدأ الحديث عنه في أديس أبابا بالتزامن مع اندلاع ثورة يناير، وهو مستمر على متابعته الدقيقة لمجريات هذا المشروع وتطوراته .

يعمل الدكتور عباس شراقي مديراً لمركز تنمية الموارد الطبيعية في إفريقيا، وأستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بمعهد الدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة، كما عمل نائباً لمدير مركز المعلومات والاستشارات الإفريقية، وهو حاصل على الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة كولورادو الأمريكية عام،2000 ويتحدث لrdquo;الخليجrdquo; في هذا الحوار عن تاريخ المشروع وتطوره وأهدافه وجدواه ومخاطره .


بداية ما هو مشروع ldquo;سد النهضةrdquo;؟

ldquo;سد النهضةrdquo; هو أحد المشروعات المائية المقترحة على حوض نهر النيل الأزرق، وهو أهم الأحواض المائية في نهر النيل بصفة عامة، لأنه يمد نهر النيل بنحو 50 مليار متر مكعب في السنة، أي ما يعادل نحو60% من مياه النيل، وهذا السد يقام في نهاية النيل الأزرق داخل إثيوبيا وعلى الحدود مع السودان، وهو أحد المشروعات المائية المقترحة من ldquo;مكتب الاستصلاح الأمريكيrdquo; في عام 1964 . وكان اسمه في هذه الدراسة ldquo;سد الحدودrdquo;، لأنه يقع على مسافة 15 كيلومتراً من الحدود السودانية .

وهذا المشروع له خصائص تمت دراستها من قبل المكتب الأمريكي، ووفق الدراسة كان الارتفاع المناسب 85 متراً بسعة تخزينية 1 .11 مليار متر مكعب . وفي ما بعد قيل إنه يمكن تعلية هذا السد وزيادة طاقته التخزينية، ولم تضع الحكومة الإثيوبية هذا السد ضمن خطتها الإنشائية المعلنة، لكنها أدرجته في فبراير/ شباط ،2011 خلال اندلاع الثورة المصرية، وتنحي مبارك، ولم تكشف رسمياً عن هذا السد، حتى نشرت صحيفة إثيوبية خبراً عنه آنذاك، ما اضطر الحكومة الإثيوبية لإعلان عزمها تنفيذ هذا المشروع، وفق مواصفاته المعروفة من قبل الدراسات الأمريكية .

ويعد ميليس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، هو الأب الروحي لهذا المشروع، فهو من تبناه وأحياه، فقد كان طموحاً يتطلع لأن يصبح زعيماً لإثيوبيا، كي يوظف أصوات الشعب لمصلحته ولحزبه، كان يتطلع لكي يضع نفسه عند الإثيوبيين في نفس مكانة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عند المصريين، ومن أجل ذلك تبنى مشروع السد .

مشروع أمريكي

ولكن ما تفسيرك للعلاقة الزمنية بين إحياء المشروع وبين اندلاع الثورة المصرية؟

الإعلان عن هذا المشروع في شهر فبراير/ شباط وقت الثورة المصرية يثير التساؤل، والملاحظ أنه تم الإعلان عن تغيير اسم السد في نفس التوقيت من ldquo;سد الحدودrdquo; إلى ldquo;سد إكسrdquo; نسبة إلى ldquo;إكسبرسrdquo;، باعتبار أن هذا المشروع سيكون ldquo;قاطرة التنميةrdquo; لإثيوبيا، وتمت زيادة الارتفاع قليلاً، وزيادة السعة التخزينية للسد إلى 17 مليار متر مكعب، بدلاً من 11 ملياراً، كما جاء في الدراسات الأمريكية في الستينات، وإلى هذا الحد كان السد مقبولاً .

وفي مارس/ آذار2011 تم الإعلان عن زيادة ارتفاع السد مرة أخرى، وكذلك سعته التخزينية إلى62 مليار متر مكعب، ليكون بذلك أكبر سد في إثيوبيا، ووقتها قال ميليس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل إن هذا المشروع بهذه السعة، سيكون أهم مشروع لإثيوبيا في الألف سنة الجديدة، فتم تغيير الاسم إلى ldquo;سد الألفيةrdquo;، وتم وضع حجر الأساس في إبريل/ نيسان 2011 . وآنذاك قال وزير الموارد المائية الإثيوبي إن السد سيختزن 67 مليار متر مكعب، بدلاً من 62 ملياراً المعلن عنها في شهر مارس، وتم تشكيل لجنة للسد، وتغير اسمه مرة ثالثة إلى ldquo;سد الألفية الإثيوبي العظيمrdquo;، رغبة من القيادة السياسية في إعطاء اسم ضخم وطني سياسي يلهب حماس الإثيوبيين، كما تم رفع سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب، ورفع طاقة توليد الكهرباء من 1200 ميغاوات وفق الدراسات الأمريكية إلى 5250 ميغاوات في ldquo;سد الألفيةrdquo;، ثم إلى 6000 ميغاوات في الوقت الحالي .

إذاً التطورات في الاسم، والتغيرات في الخصائص والسعة تمت خلال 45 يوماً، حيث تم إطلاق أربعة أسماء مختلفة على السد، حتى وصلنا إلى اسم ldquo;سد النهضةrdquo;، وزيادة ارتفاعه، ثم رفع السعة التخزينية أربع مرات . كل هذا تم بينما كانت مصر منشغلة بالثورة، فلم يصدر عنها رد في تلك الفترة، وهذا كله يفرض علينا ضرورة الربط السياسي، بين ما يحدث في هذا السد، وما يرتبط به من تطورات، وبين ما يحدث في مصر .

أدوار خفية

الربط السياسي يقودنا إلى وجود الدور الأمريكي في هذا المشروع منذ البداية، وكان واضحاً في الستينات، لكنه يبدو اليوم خفياً، كيف تستشعر هذا الدور؟

الأدوار الأمريكية أو ldquo;الإسرائيليةrdquo; تجاه ما يجري هي أدوار خفية، ولو ظهرت في الصورة، فهذا يعني أنهم فشلوا في إخفاء أنفسهم، المهم أنهم يحققون ما يريدون، ldquo;إسرائيلrdquo; تعمل مع إثيوبيا وأمريكا من الممكن أن تعمل من خلالها .

المعلن أن هذا السد هو توليد الكهرباء، بينما نجد أن السعة التخزينية ارتفعت سبعة أضعاف من 11 مليار متر مكعب إلى 74 ملياراً، هل تتفق زيادة السعة مع الهدف المعلن، أم أن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة، مثلما يقول بعض الخبراء إن مخزون السد من المياه سوف يستخدم في الزراعة سواء في إثيوبيا أم في السودان، ما يؤثر في حقوق مصر المائية مستقبلاً؟

الغرض المعلن هو توليد الكهرباء، فالمستهدف من السد نحو 6000 ميغاوات، لكن غير المعلن هو الهدف السياسي، فالنظام يستهدف اكتساب الشعبية وتوحيد الإثيوبيين حوله، ولو حللنا هذا المشروع من الناحية الاقتصادية، فسوف نجد الفوائد الاقتصادية التي ستعود منه على الدولة الإثيوبية متواضعة جداً، بالمقارنة مع التكلفة، خاصة أنها لاتزال متعثرة في توفير التمويل اللازم، كما أن هذا المشروع لن يخدم الإثيوبيين بدرجة كبيرة، حتى وفق ما هو معلن .

فالكهرباء التي ستنتج من السد ستصدر إلى الدول المجاورة، ولن تصل إلى الشعب الإثيوبي، الذي يعاني 75% منه غياب الكهرباء، ولكي تكتفي كهربائياً تحتاج إثيوبيا إلى أربعة سدود أخرى بنفس حجم سد النهضة، كما أن هذا السد لن يوفر للإثيوبيين أيضاً مياه الشرب، نظراً لصعوبة نقل المياه في المرتفعات الجبلية التي يسكنون فيها .

وفسرت الحكومة الإثيوبية هذا الأمر بأن توفير الكهرباء للشعب في مساحة مليون كيلو متر مربع من المناطق الوعرة شيء مستحيل ومكلف للغاية، وهكذا فإن المواطن الإثيوبي لن يستفيد من هذا الخزان مائياً أو كهربائياً .

أما على المستوى الزراعي فكل ما يمكن إثيوبيا زراعته من مياه هذا السد لا يتجاوز مساحة 150 ألف فدان، وهي الأراضي المجاورة له، لكن الملاحظ أن في هذا المشروع مبالغة كبيرة من الناحية الفنية بين الارتفاع والسعة، بما يفوق قدرة المنطقة من الناحية الطبيعية، وهنا مكمن الخطورة .

مخاطر شديدة

بالمقارنة بين تجارب السدود الإثيوبية السابقة بهذا السد، كيف تقيّم المخاطر؟

الخصائص الطبيعية والجيولوجية في إثيوبيا متشابهة، معظم الصخور الإثيوبية مملوءة بالتشققات والفواصل، إلى جانب وجود الأخدود الإثيوبي الذي يقسم إثيوبيا نصفين، وهو أكبر فالق على وجه الأرض، وغالباً يصحب هذه الفوالق انزلاقات مما يسبب زلازل تهدد بانهيارات في السدود .

والنقطة الأخرى هي نوعية الصخور، فنحو 75% من الصخور الإثيوبية مغطاة بالصخور البركانية البازلتية السوداء، وهذه الصخور تكونت بفعل الحمم البركانية، وتعد أضعف أنواع الصخور النارية، حيث تتفتت عندما تسقط عليها الأمطار، وتتحول إلى طمي، بل إن هذه الصخور هي مصدر التربة الزراعية في مصر .

وعندما تقام على هذه الصخور مشروعات مائية عملاقة من أعلى تتعرض لضغط هائل وهبوط، نتيجة وزن جسم السد والمياه، وخطورة صخور البازلت التي تشكل معظم الأراضي الإثيوبية، أنها ليست كتلة صماء واحدة، ولكنها تتكون من طبقات رقيقة، تتصف في تكوينها بوجود فراغات في ما بينها، وفي حالة تعرضها لأوزان هائلة، كما في حالة ldquo;سد النهضةrdquo; فقد تتشقق الصخور وتمتلئ بالمياه، ما يؤدي إلى حدوث زلازل، تؤدي لانهيار السد .

ولو تناولنا الانحدارات الجبلية، وما تشكله من فارق بين قمم الجبال البركانية التي تهطل عليها الأمطار وبين موقع السد، فإن الفارق في الانحدار بين ارتفاعات بعض هذه القمم وموقع السد يصل إلى أربعة آلاف متر، لأن ارتفاع بعض القمم يبلغ أربعة آلاف وستمئة متر، في حين أن منطقة السد تقع على ارتفاع خمسمئة متر، وإذا افترضنا أن ارتفاع السد 145 متراً، فإن ارتفاع البحيرة يبلغ 645 متراً فوق سطح البحر، وهذا الفارق يجعل اندفاع مياه الأمطار قوياً بامتداد نحو خمسمئة كيلومتر تتسم الأرض فيها بانحدارات شديدة جداً .

وإذا وضعنا في الاعتبار أن كمية الأمطار الشديدة التي تهطل قياساً بالفترة الزمنية التي تسقط فيها، وهي قصيرة جداً لا تزيد على شهرين، فإن تدفق هذه المياه يكون قوياً للغاية، ويزداد قوة مع انحدار الأرض .

إذاً، نحن أمام ظواهر جيولوجية فريدة من نوعها في العالم في إثيوبيا وحدها من بين كل دول حوض النيل، ما يجعل الظروف الطبيعية لإقامة مشروعات مائية كبيرة مثل ldquo;سد النهضةrdquo; أمراً خطيراً جداً، كما أن الظروف الجيولوجية التي عددناها من حيث وجود فوالق وبراكين وزلازل وصخور ضعيفة تكشف خطورة إنشاء مشروع مائي ضخم مثل ldquo;سد النهضةrdquo;، ويمكن الاستعاضة عنه بسدود صغيرة .

دمار شامل للسودان

ما هي الخطورة التي قد تتعرض لها مصر والسودان في حالة انهيار هذا السد؟

وفق ما هو معلن فإن السعة التخزينية للسد تبلغ 74 مليار متر مكعب، أي 74 مليار طن تزيد من حدوث الزلازل، لأن المنطقة نشطة زلزالياً، وإذا حدث انهيار في السد فسوف تندفع كل المياه المحزنة باتجاه شمال السودان، من دون أن تتأثر إثيوبيا بأي شيء، فتجرف سد الروصيرص، ثم سد سنار الواقع على مسافة 200 كيلومتر، ثم تتجه إلى الخرطوم وأم درمان فتغرقهما وتدمرهما تدميراً شاملاً، وقد لا ينجو سد مروي من الانهيار، وهو سد حديث يخزن 12 مليار متر مكعب من المياه . وما يزيد من سرعة المياه وقوة التدمير، إن سد النهضة يقع على ارتفاع 500 650 متراً، بينما الخرطوم على ارتفاع 300 متر، بفارق350 متراً في مسافة 500 كيلومتر .

هذا عن السودان فماذا عن مصر؟

نظراً لطول المسافة التي تبلغ2000 كيلومتر بين سد النهضة وحدود مصر، إلى جانب وجود تعرجات في مجرى النيل ستكون مصر قادرة على إنقاذ نفسها باتخاذ تدابير سريعة لتصريف المياه في مفيض توشكى لأنه جاهز ومفتوح باستمرار، وربما قد تلحق بالسد العالي بعض الأضرار التي يمكن تلافيها .

هل توجد سوابق لانهيارات سدود أخرى داخل إثيوبيا؟

جميع المنشآت المائية في إثيوبيا حدثت بها مشاكل، إما أثناء تشييدها أو حتى بعد افتتاحها، فمثلاً ldquo;سد تاكيزيrdquo; الذي يعد من أكبر المشروعات، تأخر افتتاحه عامين كاملين من 2007 إلى نوفمبر/ تشرين الثاني ،2009 بسبب انهيار بعض أجزائه أثناء العمل، وحدث هذا أيضاً في ldquo;مشروع جيبا 2rdquo; على نهر أومو الذي يتجه إلى كينيا، وهو مشروع مكمل لrdquo;سد جيبا 1rdquo; الذي هو عبارة عن سد صغير لاختزان مليار متر مكعب، وخلال عمل نفق ldquo;جيبا 2rdquo; ليربط بحيرة هذا السد بنهر أومو حدث انهياران في المشروع في 2006 و2007 فتأخر افتتاحه حتى يناير/ كانون الثاني 2010 . وبعد الافتتاح بعشرة أيام حدث انهيار آخر، فتعطل المشروع لإعادة إصلاحه فافتتح ثانية في ديسمبر/ كانون الأول 2010 . وكان سبب الانهيارات في المشروعين أن الصخور البازلتية للمشروعين بها تشققات، ونظراً لهذه الطبيعة الجيولوجية الإثيوبية فإن شركة ساليني الإيطالية التي نفذت مشروع ldquo;جيبا 2rdquo; اشترطت على الحكومة عدم مسؤوليتها عما يحدث بعد تسليمها المشروع، وهذه الشركة ذاتها هي التي تعمل على تنفيذ مشروع ldquo;سد النهضةrdquo; .

وهل الطبيعة الجيولوجية لمشروع ldquo;سد النهضةrdquo; تشبه الطبيعة الجيولوجية لمشروعي ldquo;سد تاكيزيrdquo; وrdquo;جيبا 2rdquo;؟

الطبيعة الجيولوجية في إثيوبيا كلها واحدة، بل إن 75% من صخور حوض نهر النيل هي صخور نارية بازلتية .

ألف سد بديل

بعض الخبراء يقول إن الأصلح لإثيوبيا ولدول حوض النيل إقامة سدين صغيرين بدلاً من سد واحد ضخم يؤدي لمشكلات ومخاطر .

الطبيعة الجيولوجية لإثيوبيا كما قلنا لا تصلح لإقامة مشروعات ضخمة مثل ldquo;سد النهضةrdquo;، خاصة أنه لن يفيد الشعب الإثيوبي على مستوى إمداده بالمياه أو الكهرباء ما يفيد الإثيوبيين، هو مجموعة من السدود، ولتكن ألف سد صغير، كل سد منها يخدم قرية أو قبيلة، وهذا بالضبط ما يفعله الأهالي هناك بشكل بدائي في مناطقهم للتغلب على نقص المياه بعد موسم المطر .

إن تكلفة ldquo;سد النهضةrdquo; سوف تصل إلى ثمانية مليارات دولار، وهذا المبلغ يمكن توزيعه على ألف سد صغير يقام بطريقة حديثة، بما يفيد الإثيوبيين جميعاً، أما سدان أو ثلاثة أو أربعة فلن تحل المشكلة، لأنه كلما كثر عدد السدود زاد عدد المستفيدين منها، لأن معظم التسعين مليون إثيوبي يعيشون فوق قمم الجبال .

في تصريحات سابقة لك قلت إن هذا السد سوف ينتهي عمره الافتراضي بسبب الطمي خلال فترة قصيرة، حتى لو لم تحدث زلازل تؤدي إلى انهياره، هل لاتزال هذه الفرضية قائمة؟

إثيوبيا هي أكبر دولة في العالم تعاني تجريف التربة بسبب الأمطار الشديدة ونوعية الصخور الضعيفة والانحدار الشديد الذي يزيد من سرعة تدفق المياه، فكل العوامل، وهذا يعني نقل الطمي مع المياه بكميات كبيرة جداً، وكمية الطمي المنقولة ستتحدد حسب سعة التخزين، وإذا افترضنا أن سعة الخزان 74 ملياراً كما يقال فإن كل مليار متر مكعب يصطحب معه ثلث مليار متر من الطمي، وهذا يعني أن التخزين الميت سيكون 25 مليار متر مكعب مياه، وهي الكمية الموجودة أسفل التوربينات، سوف تتحول بعد 75 سنة إلى طمي، بما يعطل تماماً توليد الكهرباء، هذا إذا ما لم يحدث أي عائق آخر يؤدي إلى انهياره، بل إن كفاءة السد ستتراجع تدريجياً في توليد الكهرباء مع الوقت، وكفاءة السد في بداية التشغيل ستكون33%، وهذه مشكلة إثيوبيا عموماً، لأن كفاءة سدودها تصل إلى55% في حين أن كفاءة السدود في المتوسط عالمياً تصل إلى 60%، وهذا يعني أن كفاءة ldquo;سد النهضةrdquo; ستتأثر فلو كان عندي 16 توربيناً في السد تعمل 24 طوال 356 يوماً، فهذا يعني أن الكفاءة 100%، لكن ثلثي التوربينات في أي سد تتوقف عن العمل لأسباب مختلفة متعارف عليها، ويعمل فقط الثلث منها، وبذلك تكون إثيوبيا قد تكلفت أموالاً طائلة من دون استفادة حقيقية من المشروع .

حالة غموض وتآمر

هل معامل الأمان واضح وكاف في هذا السد؟

المعلومات الأساسية عن المشروع غائبة عن اللجنة الثلاثية، بل إن ارتفاع المشروع وسعته أكبر بكثير من الإمكانات الطبيعية في المنطقة، فهي منطقة جبال وسيول وزلازل وبراكين، وتضم أكبر فالق في العالم، ومهما رفعت عوامل الأمان فإنك لن تستطيع مواجهة متغيرات ومفاجآت الطبيعة، فهي أكبر من قدراتنا كبشر .

كيف تفسر حالة الغموض التي تتسع يوماً بعد يوم من الجانب الإثيوبي تجاه مشروع ldquo;سد النهضةrdquo;؟

الجانب الإثيوبي يلعب على الجانب النفسي للشعب المصري، فهو يعمل على نشر الرعب والفزع بين المصريين لعلمه بأهمية مياه النيل للمصريين، وهي تستهدف بذلك الضغط على مصر للتوقيع على ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo;، ولهذا ترفض تزويد مصر بما تريد من معلومات عن السد، وهذا ما قاله من قبل ميليس زيناوي في الإعلام بالمخالفة للأعراف الدبلوماسية أنه لن يزود مصر بأي معلومات عن السد ما لم توقع على ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo;، وذلك في رده على طلب رسمي لوزارة الري المصرية بهذا الشأن .

ألا يشكل الربط بين ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo; وrdquo;سد النهضةrdquo; سوء نية أو نوعاً من التآمر الإثيوبي ضد مصر، خاصة أنها لا تعترف بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل؟

نعم هذا مستهدف، خاصة أن بعض دول الحوض فتحت ملف حصص مياه النيل، ونظراً لأن دول الحوض لا تستطيع نقل المياه بسبب وعورة الطبيعة الجغرافية، فإنها تستهدف الآن إثبات حصص لها، ومن ثم بيعها إلى مصر .

هل من مصلحة مصر التوقيع على الاتفاقية؟

لا . . لأن مصر موقعة على15 اتفاقية طوال المئة سنة الماضية، وصارت حصة مصر حقاً مكتسباً لها وفق القانون الدولي، فإذا وقعنا على ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo;، فهذا يعني أننا نتنازل عن حقوقنا، في وقت نتطلع فيه لزيادة حصصنا من مياه النيل .

ldquo;عنتيبيrdquo; لا قيمة لها

معظم دول حوض النيل وقعت على ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo;، ما عدا مصر والسودان والكونغو، ووسط هذه المشكلة يبرز ldquo;سد النهضةrdquo; كمشكلة أخرى، كيف يمكن لمصر التعامل مع أزمتي ldquo;عنتيبيrdquo; وrdquo;النهضةrdquo;؟

ldquo;اتفاقية عنتيبيrdquo; لا قيمة لها، لأن ما تفعله إثيوبيا في ldquo;سد النهضةrdquo; يخالف هذه الاتفاقية، لأنها لم تراع قاعدة عدم الضرر، ولم تعترف بالاتفاقات السابقة، ولم تراع الإقرار بحقوق دول المصب، وهنا تأتي قيمة التفاوض للوصول إلى صيغة وسط تضمن حقوق مصر .

ما مدى الضرر الذي يعود على مصر، خاصة ما يثار عن تأثر كهرباء السد العالي، خلال فترة ملء خزان ldquo;النهضةrdquo;؟

هناك أرقام متنوعة، ولكنها غير مؤيدة بدراسات علمية حقيقية، وما يقال عن نقصان حصة مصر 9 مليارات متر مكعب أو 13 هي أرقام غير مدعمة بوثائق علمية .

يقال إن ldquo;إسرائيلrdquo; تتلاعب بأمن مصر المائي بالاتفاق مع إثيوبيا، وفي اللحظة المناسبة تتقدم لحل المشكلة في إطار صفقة متكاملة تستهدف إحياء مشروع مد مياه النيل إليها؟

هذا سيناريو موجود، وغير مستبعد، لكن تحقيق هذا الأمر مستحيل خاصة بعد الثورة، وهذه الفكرة مرفوضة تماماً من الشعب المصري، إضافة إلى أن القانون الدولي يمنع ذلك .