مبارك الذروه

-1-
بايع الناس الامام علي رضي الله عنه بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فبايعته الأمصار كلها عدا الشام التي كان واليها يومئذ معاوية بن ابي سفيان..!
فقد رفض معاوية ان يبايع الخليفة الرابع قبل ان يمسك بقتلة عثمان ويحاسبهم..!
وكان الامام علي يرى صعوبة ذلك الآن... ويرى اهمية استقرار الامور اولا، وأخذ البيعة من الأمصار كافة ثانيا، لكي يتمكن من اتخاذ الإجراءات القضائية كافة بعد ذلك بحق من خرج على عثمان وقتله..!
ومع استمرار رفض معاوية والي عثمان وابن عمه ومن معه من اهل الشام دخلت الامة حينها في حروب دامية ضروس.. انتهت بمقتل الخليفة الراشد سيدنا علي صاحب الحق بلا شك.. ثم تنازل الامام الحسن سيد شباب اهل الجنة لمعاوية حقنا لدماء المسلمين وجمع كلمة المسلمين حتى سمي ذلك العام بعام الجماعة..!
ودانت الدنيا حينها لمعاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه وبدأت دولة بني أمية... وطويت قضية عثمان وقتلته.. واختفت المطالبة بدم عثمان بعد ذلك درءا للفتنة!!
-2-
لقد تم تداول مفهوم خطير بين المثقفين عقودا طويلة من الزمن (قميص عثمان)..!
لنعد الى البداية... بعد مقتل عثمان (82) عاما وهو صائم في بيته، يقرأ القرآن.. على يد الثائرين الخوارج.. نهبوا بيته وسرقوا بيت مال المسلمين فتبين ان خروجهم كان للدنيا وليس للإصلاح السياسي كما يزعمون!
ونحن لا ندري كيف انتقل قميص عثمان الممزق والملطخ بالدماء الى الشام... هذا القميص يحكي مشهد الحصار والقتل... فقد آثارهم وهيجهم وبدأت رحلة جديدة من المطالبة بدم عثمان... من خلال الدليل... (قميص عثمان)!
كان الثائرون واكثرهم من مصر ينقمون على عثمان بعض الأخطاء الادارية في سياسة الدولة والتي رأوها مخالفة وتبديل لسنة الخليفتين من قبله... استغلها المنافقون ورؤوس الفتنة الذين يتربصون بالإسلام وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا... لجهلهم... فاشعلوها ونفخوا فيها... حتى أحرقت دار الخليفة وقتلوه..
-3-
ومهما يكن من أخطاء الحكم وإدارة الدولة التي لا يسلم منها بشر مهما علا قدره.. الا ان الخروج على من له طاعة وبيعة من دون برهان ودليل بيّن راجح او غلبة ظاهرة مسوغة يعد من الفتن المنهي عنها...
فالخروج على الخليفة الراشد باطل بالاتفاق... ولولا نهي عثمان عن قتالهم وردّهم لسالت أودية من الدماء.. ولكنه التزم وصية رسول الله حين أوصاه ألا ينزع قميصا قلده الله إياه وهو الحكم، وان يصبر على بلواه وهو القتل!
-4-
ان امر النبي عليه الصلاة والسلام لعثمان بعدم نزع القميص وعدم التنحي عن خلافة المسلمين هو منهج رباني لدعم الشرعية المنتخبة من قبل الامة حتى لا ينتشر الفساد في الارض وتسود شريعة الغاب والعصيان وحتى لا يكون أسلوبا تتخذه الناس والعامة كلما ضاقوا ذرعا بخليفة او امير خرجوا عليه ليقيلوه او يقتلوه!
-5-
ان وحدة الامة وتكاتفها وحقن دمائها من أوجب الواجبات ومن اعظم القربات فلا يجوز ان يتهاون الفرد بكلمة لا يلقي لها بالا فيسفك بها دم انسان بريء..
وان الوقوف مع الحق واجب ورد الظلم واجب ونصرة المظلوم واجب... ولو تم تطبيق ذلك في عهد عثمان بن عفان لما وصل الامر الى قتل علي قم الحسين ولما كانت صفين والجمل ولما انقسم المسلمون والصحابة الى اليوم...
فها هي مصر اليوم... تستنطق التاريخ... وتمر بذات الظروف... فيُنزع قميص مرسي قسرا.. ويتغلب العسكر مكرا!
وتغيب الامة عن وعيها... إلى حين..!