عبد الوهاب بدرخان

laquo;يهودية الدولة الإسرائيليةraquo;، هل هي مفتاح وزير الخارجية الأميركي لإحداث اختراق في التعثّر المهيمن على المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية؟ ما الذي يعنيه هذا المطلب الذي لم تطرحه إسرائيل على اتفاقات أوسلو، بل أضافه أرييل شارون لتعجيز المفاوضات اللاحقة؟ هل هو دعوة إلى الاعتراف بواقع أنشأته إسرائيل منذ ولادتها، مرتكبة مخالفات للقانون الدولي وممارسات عنصرية موثّقة؟ وفي حال الاعتراف بها، إذا حصل، ما الذي يضمن أن إسرائيل ستكون أقل تعنتاً في شروط التسوية السلمية؟ لماذا هذا الشرط الإسرائيلي مقبول بلسان باراك أوباما ويتولّى جون كيري ترويجه بذريعة أنه يسهّل الانتقال إلى مرحلة أكثر وضوحاً وتركيزاً في المفاوضات، في حين أن الاستيطان الذي دعا أوباما إلى وقفه وتعتبره إدارته غير شرعي يُتاح له التوسّع المتزايد لابتزاز العرب والفلسطينيين والمجتمع الدولي؟

وهل ثمة علاقة بين laquo;يهودية الدولةraquo; وبين الاستيطان؟ وأخيراً، بل الأهم، بالنسبة إلى العرب، كيف سينعكس الإقرار بـ laquo;يهودية الدولةraquo; على الفلسطينيين في الداخل الذين يعاملون منذ 1938 كمواطنين من الدرجة الثانية؟

لا يمكن القول إن إسرائيل أعطت علناً أي إيضاح يجيب عن أي من هذه الأسئلة، وغيرها الكثير. ولدى العرب والفلسطينيين، في المقابل، دراسات وتحليلات لما يمكن أن يرمي إليه هذا الشرط الإسرائيلي ولا مصلحة لهم في التبرّع بجعل ديماغوجيات بنيامين نتنياهو محور النقاش السياسي والإعلامي طالما أن قضيتهم الرئيسية هي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. كما أن الأميركيين لم يقدّموا، كـlaquo;وسطاءraquo; أو كـ laquo;أصدقاء/ أعداءraquo;، أي شرح لما يعنيه في عرفهم هذا المطلب الإسرائيلي، ولماذا تبرّع أوباما بالاعتراف به، وهل فعل ذلك لأسباب انتخابية فقط رغم علمه بوجود إشكالات كثيرة غير قانونية وlaquo;غير ديمقراطيةraquo; وغير إنسانية قد تترتّب عليه.

الواقع أن أحداً لا يعتقد أن الأمر يتعلّق بمعاناة الإسرائيليين من مشكلة هوية أو أنها مسألة وجدانية- معنوية. أكثر من ذلك أنهم يطلبون عملياً اعترافاً عربياً بدولة laquo;الأبارتايدraquo; التي بنوها على اضطهادهم للفلسطينيين وسلب أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم. وإذا كان جون كيري يقول اليوم لمحاوريه إن laquo;يهوديةraquo; الدولة هي ثمن السلام، فالأولى أن يُسأل: أين هذا السلام؟ إنهم يريدون إقراراً بـ laquo;يهوديةraquo; دولتهم لاستخدامها في سلسلة طويلة من التبريرات والالتفافات على القضية التي دار عليها الصراع مع العرب والفلسطينيين، تبدأ بالرواية التاريخية لما حصل، ولا تنتهي بـ laquo;شرعنةraquo; الجرائم ضد الإنسانية التي أقدموا عليها هم الذين يواصلون لوم العالم كله على الجرائم ضد الإنسانية التي تعرضوا لها. وبالنسبة إليهم، يشكّل اعتراف العرب بـlaquo;يهوديةraquo; دولتهم اعترافاً بأن الصراع انتهى فعلاً، قبل أن تتأكد إزالة الاحتلال وحلّ مشكلة اللاجئين وحقّهم القانوني بالعودة، وقبل التوصل إلى اتفاق يعترف فيه الإسرائيليون/ اليهود بالشعب الفلسطيني وحريته وحقوقه وسيادته على أرضه.

من دون تلبية هذه المتطلبات البديهية لحل القضية الفلسطينية، يجب ألا يحصل هذا الاعتراف على الإطلاق، وإذا كان له أن يحصل فبعد اتفاق السلام وكنتيجة له وليس قبله، بل يجب ألا يحصل إلا بعد أن تضع إسرائيل دستورها الذي يحدد بوضوح ما الذي تعنيه بـ laquo;يهوديتــهاraquo;، فهل أنها ترى نفسها أحادية الهوية، نقية العنصر، ولا يحق لغير اليهودي العيش فيها؟ وفي هذه الحال ماذا عن فلسطينيي الداخل؟ وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان كان لافتاً أخيراً بموافقته على ما يعرضه laquo;كيريraquo;، وهو كرّر في تصريحات من لندن أنه laquo;يتعيّن على العرب الذين يقيمون داخل إسرائيل أن يحددوا الجهة التي يدينون لها بالولاء. أنهم يعانون انفصام الشخصية، لا يعرفون إذا كانوا مواطنين إسرائيليين أو فلسطينيينraquo;.

ليبرمان نموذج صريح إلى حد الصفاقة، ويمكن أن يُفهم منه ما لا يفصح نتنياهو عنه، ولو عاد الأمر إليه، فإنه يريد ترحيل laquo;فلسطينيي 48raquo; البارحة وليس اليوم. فجأة، وبمناسبة مقترحات laquo;كيريraquo;، ولأن البحث صار جدّياً، رمى الإسرائيليون للمرة الأولى فكرة وضع قيود محددة لكيفية تفعيل laquo;يهودية الدولةraquo;، والنص على شروط وضمانات تحرّم التعرّض لـlaquo;فلسطينيي 48raquo; وحقوقهم.

لكن مجرد التفكير في إعطاء ضمانات كهذه لا يطمئن المعنيين بها، بل يعني أنهم وحقوقهم باتوا موضع مساومة، ولا يمكنهم الوثوق بأي عدالة إسرائيلية، فهي كانت ولا تزال مخصصة حصرياً... لليهود.