مئة عام مضت على بداية العلاقات السياسية والدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، نعم، ففي العام 1926م، اتجهت جمهورية فرنسا نحو الملك المؤسس عبدالعزيز – طيب الله ثراه –، عندما كان لقبه ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، راغبةً في إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية مع دولته حديثة النشأة والتأسيس. ومن تلك البدايات الصلبة في تأسيس العلاقات السياسية والدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، توسع العمل بين البلدين الصديقين بهدف تعزيز العلاقات من خلال تنويع مجالات التعاون الهادفة لخدمة المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين. وانطلاقاً من تلك الرؤية العميقة، تطورت العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا حتى شملت المجالات الاقتصادية والصناعية والتنموية والأمنية والعسكرية والتقنية والثقافية والسياحية وغيرها من مجالات اشتركت فيها رؤى البلدين، وتطلعات قيادتهما السياسية الحكيمة. وخلال هذه الأعوام المئة للعلاقات السعودية - الفرنسية، ساهمت العلاقات الثنائية بين البلدين، وساهمت حكمة القيادات السياسية فيهما، على تعزيز العلاقات التي شملت معظم المجالات البناءة، والهادفة للارتقاء بالمجتمع والإنسان في كلا البلدين، حتى وصلت لمرحلة متقدمة جداً من مراحل الثقة المتبادلة التي أثبتتها الأحداث على مدى العقود الماضية، وشهدت عليها مواقف البلدين الصديقين. وإذا كانت هذه الثقة المتبادلة ترمز لعمق العلاقات، فإنها ترمز كذلك لعلاقات أكثر قوة وصلابة في المستقبل، وهذا الذي تدلل عليه الشواهد في وقتنا الراهن، ولعل أعلاها منزلة الزيارات المُتبادلة بين القيادات السياسية في البلدين الصديقين. نعم، فإذا كانت العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية توصف بأنها علاقات تاريخية، فإن العلاقات المستقبلية التي يمكن قراءاتها من سياسات ومواقف البلدين يمكن وصفها بأنها علاقات استراتيجية متقدمة.
نعم، إن المشاهد لتطلعات ورؤى القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية في هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهما الله –، يجد أنها هادفة للارتقاء بمكانة المملكة العربية السعودية على جميع المستويات الدولية، ويجد أنها متطلعة لتعزيز علاقاتها بالمجتمعات المتقدمة والصناعية للاستفادة مما وصلت لها تلك المجتمعات من تقدم وتميز في جميع المجالات النوعية، ويجد أنها عازمة على السير نحو المستقبل باستراتيجيات وخطط ورؤى هدفها وضع المملكة العربية السعودية في مصاف دول العالم المتقدم والصناعي والتقني والعلمي. فإذا أخذنا هذه التطلعات الحكيمة والغايات السامية، نجد أنها جعلت من المملكة العربية السعودية أنموذجاً دولياً تحتذي به الدول، بما فيها المتقدمة والصناعية في المجتمع الدولي، ومنها جمهورية فرنسا. نعم، ففي الوقت الذي أصبحت فيه المملكة العربية السعودية أنموذجاً في رؤيتها التنموية، وحكمة قيادتها السياسية، وجدت جمهورية فرنسا في المملكة العربية السعودية الشريك الأكثر مناسبة للعمل معه والسير نحو تحقيق الطموحات والرؤى المستقبلية بجدية وثبات. نعم، لقد التقت رؤى البلدين الصديقين، واتفقت في تطلعاتهما نحو النَّظر للمستقبل بتفائل وطموح.
فإذا كانت هذه الأسس تجمع البلدين الصديقين في رؤيتهما للحاضر والمستقبل، فإن الزيارات المتبادلة واللقاءات عالية المستوى التي تجمع القيادات السياسية في البلدين، من شأنها أن تنقل هذه العلاقات من مستوى إلى مستويات أكثر تقدماً. وإذا جاء الحديث عن العلاقات الثنائية على المستويات الداخلية، فإننا نجد أنها علاقات متقدمة في المجالات الاقتصادية والصناعية والتنموية والاستثمارية، وفي مجالات الطاقة على اختلاف مستوياتها التقليدية والمتجددة، وكذلك في مجالات البنية التحتية والخدمات المالية وتقنية المعلومات والنقل والطيران والسياحة وغيرها من مجالات شملت جميع القطاعات التي تخدم الشعبين الصديقين وتعزز علاقات البلدين الصديقين. أما إن أتى الحديث عن التنسيق والتشاور في مجال السياسات الخارجية للبلدين الصديقين، فسوف نجد أن البلدين يسعيان بعزيمة كبيرة لتحقيق الأمن والسلم والاستقرار على جميع المستويات الإقليمية والدولية والعالمية. وهذه الرؤية الشاملة للأمن والسلم والاستقرار، وقدرتهما على التأثير الإيجابي والبناء في السياسة الدولية والعالمية، نابعة من مكانتهما في المجتمع الدولي. فالمملكة العربية السعودية دولة مركزية عربياً وإسلامياً، وذات تأثير كبير ورئيس في مجالات الطاقة العالمية والاقتصاد الدولي. أما جمهورية فرنسا فهي تملك مقعداً رئيساً في مجلس الأمن يمكنها من حق النقض لقراراته، وذات تأثير في السياسة الدولية والاقتصاد الدولي. نعم، إن المتابع لتطور العلاقات السعودية - الفرنسية خلال السنوات العشر الأخيرة –مُنذ العام 2015م– يدرك أننا أمام مرحلة جديدة من مراحل العلاقات السعودية - الفرنسية، والتي قد تشهد تطور العلاقات وتقدمها حتى تصبح علاقات استراتيجية تشمل جميع المجالات.
وفي الختام من الأهمية القول إن زيارة الرئيس الفرنسي السيد ماكرون تعكس تقدير الحكومة الفرنسية لمكانة وثقل المملكة العربية السعودية، وقيادتها الرشيدة، في المجتمع الدولي، وتأثيرها الإيجابي والبناء على حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، إن هذا التقارب الكبير والمتصاعد في العلاقات السعودية - الفرنسية سيساهم مساهمة مباشرة في تعزيز المكانة العربية والإسلامية في السياسة الدولية، وسوف يخدم قضايا وحقوق العرب والمسلمين بما يتماشى وقواعد القانون الدولي.
التعليقات