إن مشيت في أحد شوارع وسط مدينة بيروت، قد يجذبك صوت طائر جميل، وقد تراه على مسافة قريبة منك، يغرّد على غصن شجرة أو عمود إنارة أو قرب نافذة إحدى الشقق.

قد تُفاجئ بعدم هروبه منك للوهلة الأولى إن كنت قريباً منه، يبدو أنه لا يخافك.

ويبدو طائر المينا (أو المينة) الشائع - والمعروف أيضاً باسم الغراب الهندي - أليفاً ولطيفاً.

طائر جميل يكسو الأسود والأبيض جناحيه، ويميّز اللون الأصفر منقاده ووجنتيه.

صوته قوّي ويغرّد بأصوات مختلفة، يقترب من النوافذ ولا يبتعد كثيرا عن الناس في الشارع.

لكن المفاجأة في أنّ هذا الطائر الرومنسي الجميل والقريب من البشر، يصنّف من الطيور الغازية، مفترس ومؤذٍ، وتحاول العديد من الدول مكافحته والتخلص منه.

زوجان من طيور المينا في تركيا
Getty Images
زوجان من طيور المينا في تركيا

طير ناطق؟

ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأشخاص يقتنونه في أوروبا؛ فإلى جانب صوته العذب والقوي وشكله المميّز، يستطيع المينا تقليد الأصوات.

يرمز طائر المينا بحسب موقع "طيور العالم" الأمريكي إلى الذكاء والذاكرة والقدرة على التقليد. كما يرمز في الثقافة الهندية إلى الرومانسية، لأن هذه الطيور تعيش أزواجاً، ويحرس الزوجان مع بعضهما البيض ويهاجمان سوياً دفاعاً عن عشهما وصغارهما.

ليس المينا من فصيلة الببغاء، بل ينتمي إلى عائلة "الزرزوريات" (طيور الزرزور) التي تعيش قرب المناطق المأهولة، ولكنّ المينا الهندي بارع في تقليد الأصوات، حتى صوت البشر وكلماتهم، وهذا ما يفسّر اقتناءه من قبل البعض.

وقدراته لا تتوقف عند هذا الحدّ؛ إذ يعمد المينا إلى تقليد أصوات بعض الطيور لجذبها واصطيادها أو قتلها أو لإنذار زملائه من خطر ما.

طيور المينا آكلة للّحوم، ومصادر غذائها متنوعة؛ تتميّز بقوة فتّاكة تمكنها من التغلّب على طيور أكبر منها حجماً مثل الغراب. وتهاجم ضحيتها أحياناً بشكل جماعي.

موطن هذه الطيور الأصلي جنوب آسيا مثل الهند والنيبال وسريلانكا، لكنّها سريعة الانتشار والتكاثر، وتتميّز بقدرة على التأقلم مع أي بيئة جديدة. وتنتشر بكثرة حالياً في الشرق الأوسط وأفريقيا وأستراليا.

ويوجد المينا بكثرة في الأحياء السكنية، لا سيما قرب أماكن تجمّع فضلات الطعام.

ورغم قدرة هذا الطائر على التغريد وتقليد أصوات الطيور الجميلة، إلا أنّه قادر على إصدار أصوات مزعجة أيضاً، خاصة حين يندمج ورفاقه في جلسة صياح جماعية.

طائر المينا الهندي
Getty Images

خطر على البيئة؟

في الأساس، كان المينا صديقاً للمزارعين وللسكان، إذا استقدمته بعض الدول مثل أستراليا في منتصف القرن التاسع عشر لمكافحة كثرة الحشرات.

لكن المينا اليوم - بحسب علماء - قادر على نقل العديد من الأمراض التي تصيب الطيور والطفيليات وحشرة العثّ، ويساعد على نشرها. ويترك المينا الطفيليات والعثّ في تجاويف الأشجار التي يضع بيضه فيها بعد مغادرتها، فيمنع الطيور الأخرى من بناء أعشاشها في المكان ذاته.

ونشرت وزارة الزراعة والغذاء الأسترالية تقريراً على موقعها العام الماضي للتحذير من الأمراض التي ينقلها المينا إلى البشر ومن بينها طفيليات تتسبب بالملاريا.

ونشرت مجلة "ساينس دايلي" تحقيقاً علمياً عام 2018، كشفت من خلاله عن العثور على "داء الشعرات" لدى طيور المينا. وأشار التحقيق إلى أن المينا يمكنه نقل هذا المرض إلى كائنات أخرى، كونه من الطيور الغازية.

بالإضافة إلى ذلك، يفتك طائر المينا بالطيور الأصيلة ويأكل بيضها في أي بيئة يغزوها.

ويسعى للقضاء على أي منافس على غذائه، ويؤدي قتل الطيور الأصيلة إلى الإضرار بالتنوع البيولوجي.

طائر المينا الهندي في أحد أسواق كشمير
Getty Images

كما يهاجم المينا طيور اليمام والحمام ويدمّر أعشاشها، ويقتل طائر الغراب والدجاج في المزارع.

ويهاجم المينا المحاصيل الزراعية ليتغذى من ثمارها، فيتلفها.

ولا يتأثر هذا الطائر بالتغير المناخي، بل على العكس، يستفيد من الطقس الدافئ للتزاوج والتكاثر.

ويعيش في بلاد مختلفة، تتنوع ظروفها المناخية.

وإلى جانب العديد من الصفات – الجيّدة والسيئة - التي تطلق عليه، اكتسب المينا سمعة الطائر الذكي، بسبب قدرته العالية على التأقلم في البيئة التي يغزوها، وموهبته في تقليد الأصوات.

وصنّف الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة عام 2000، المينا على لائحة تضمّ مئة نوع من الكائنات الغازية.

ما هي البلاد العربية التي تعاني منه؟

برزت مشكلة طائر المينا مؤخراً في الجزائر، ودعت جمعية بيئية محلية بعد رصدها انتشاره في غابات الجزائر إلى حملة لمكافحته للحد من أضراره.

لكن دولا في الخليج سبقت الجزائر إلى إطلاق حملات وطنية لمكافحة المينا الهندي.

وباشرت هيئة البيئة في سلطنة عُمان في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بتنفيذ حملة للتخلّص من المينا في محافظة ظفار.

وبادر مركز الحياة الفطرية في السعودية إلى حملة للحدّ من أعداد طيور المينا، وكذلك فعلت هيئة البيئة والتغير المناخي في قطر.

وفي يونيو/حزيران نشر موقع أخبار الأردن تقريراً أفاد عن انتشار الطائر في كافة أنحاء المملكة الأردنية، وبثّ مشاهد رصده في منطقة صويلح.

وحذّر موقع "حماة الحمى" البيئي عام 2017 من انتشار طائر المينا بكثرة في العاصمة بيروت، وانتشاره في مدن لبنانية أخرى.

وتحذّر جمعيات أخرى مثل جمعية "الأرض لبنان" من تكاثر طيور المينا، وتحاول رصد أماكن انتشارها وعددها في حملة على منصة إنستغرام.